للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن عبدالبر: ((وقد احتج بهذا الحديث من رد شهادة الأعمى، وقال إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يميز صوت أم هانئ مع علمه بها، حتى قال لها: من هذه؟ فقالت: أنا أم هانئ، فلم يعرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صوتها لأنه لم يرها، وكل من لا يرى فذلك أحرى)) (١).

ويناقش:

بعدم التسليم، إذ إنه لم يرد في الحديث أن أم هانئ قد تكلمت قبل أن يسألها النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلم يبق في الحديث دلالة، ثم لو فرض أنها تكلمت فإن عدم تمييز النبي - صلى الله عليه وسلم - لصوتها لا يدل على رد شهادة الأعمى، إذ إن الأعمى لا يجوز له الشهادة على ما لم يميزه من الأصوات بالاتفاق.

القول الثاني: أن شهادة الأعمى على ما سمعه من الأصوات مقبولة إذا تيقن الصوت، وهذا مذب المالكية والحنابلة.

قال في المدونة: هل تجوز شهادة الأعمى في الطلاق قال مالك: "نعم إذا عرف الصوت" (٢).

قال ابن قدامة: "وتجوز شهادة الأعمى إذا تيقن الصوت" (٣).

ـ استدل أصحاب هذا القول بأدلة منها (٤):

١ ـ قوله تعالى: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم .. } [التوبة: ٢٨٢].

وجه الدلالة: أن الله أمر بالاستشهاد ولم يفرق بين الاعمى والبصير فدل على العموم.

٢ ـ حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن، أو قال حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم)) (٥).

وجه الدلالة:

يظهر وجه الدلالة من هذا الحديث من وجهين:

الوجه الأول: أن أذان ابن أم مكتوم يعد شهادة منه على دخول الوقت، ولو كانت شهادته غير مقبولة لما جاز له التأذين.

الوجه الثاني: أن من يستمع لأذانه هو في حكم الأعمى لأنه لا يراه، ومع ذلك يصح له أن يشهد أنه سمع صوته (٦).

٣ ـ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يستعمل ابن أم مكتوم على المدينة إذا سافر، ولو كانت شهادته غير مقبولة لما استعمله (٧).


(١) ـ الاستذكار لابن عبدالبر ٢/ ٢٦١، وانظر: شرح الزرقاني ١/ ٤٣٢.
(٢) ـ المدونة، ٥/ ١٢٢.
(٣) ـ المغني: ابن قدامة المقدسي، ١٢/ ٦٢.
(٤) ـ عقد الزواج عبر الإنترنت: المزروع بتصرف، ص.١ ــ ص ١١.
(٥) ـ أخرجه البخاري في الصحيح، باب: شهادة الأعمى، حديث رقم (٢٥١٣).
(٦) ـ ينظر: شرح صحيح البخاري لابن بطال ٨/ ٣٢، التمهيد لابن عبد البر ١٠/ ٦١، شرح النووي على مسلم ٧/ ٢٠٢، فتح الباري لابن رجب ٣/ ٥٠٠، طرح التثريب للعراقي ٢/ ١٨٥، فتح الباري لابن حجر ٥/ ٢٦٥.
(٧) ـ مصنف عبدالرزاق ٨/ ٣٢٣.

<<  <   >  >>