[سادس عشر: أذكار المرض وزيارة المريض]
١ - إن أنفع الرقية وأكثرها تأثيراً رقية الإنسان نفسه، وذلك لما ورد من النصوص على عكس ما اشتهر عند كثير من الناس من البحث عن قاريء حتى ولو كان عامياً أو مشعوذاً.
٢ - وقراءة سورة الفاتحة هي من أهم وأنفع ما يقرأ على المريض، وذلك لما تضمنته هذه السورة العظيمة من إخلاص العبودية لله والثناء عليه - عز وجل - وتفويض الأمر كله إليه، والاستعانة به، والتوكل عليه، وسؤاله مجامع النعم كلها، ولما ورد فيها من النصوص مثل قصة اللديغ الواردة في صحيح البخاري.
٣ - وإذا دخل على المريض يقول: «لا بأس طهور إن شاء الله» .
(رواه البخاري) .
ويمسح بيده اليمنى على المريض ويقول: «اللهم رب الناس، أذهب البأس اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً» (رواه البخاري) .
٤ - وعند رقية المريض يقول: «بسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، من شر كل نفس أو عين حاسد، الله يشفيك بسك الله أرقيك» .
(رواه مسلم) .
٥ - وإذا اشتكى ألماً في جسده يضع يده على موضع الألم ويقول: بسم الله ثلاثاً ويقول سبع مرات: «أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر» .
(رواه مسلم) .
٦ - الرقية من العين:
١ - قال صلى الله عليه وسلم: «العين حق، ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين» .
(رواه مسلم) .
٢ - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: أمرني النبي صلى الله عليه وسلم، أو أمر أن نسترقي من العين.
(رواه البخاري) .
٣ - والإصابة بالعين قد تكون من الإنس أو من الجن، كما جاء في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في بيت أم سلمة - رضي الله عنها - جارية في وجهها سفعة، فقال: «استرقوا لها، فإن بها النظرة» (رواه البخاري) .
٤ - ويؤمر العائن بأن يفعل ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أن عامر بن ربيعة رأى سهل بن حنيف يغتسل، فقال: والله ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة.
قال: فلبط سهل، فأتى رسول صلى الله عليه وسلم عامراً، فتغيظ عليه وقال: «علام يقتل أحدكم أخاه.
ألا بركت اغتسل له» ، فغسل له عامر وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه، وأطراف رجليه، وداخلة إزاره في قدح، ثم صب عليه، فراح مع الناس.
(الموطأ) .
٥ - ومما يقي المسلم من شر العين ومن كل شر المحافظة على الأوراد والأذكار الصباحية والمسائية، وعدم الاهتمام بالإصابة بالعين بل يتوكل على الله ولا يتوقع حصول ذلك ما أمكن، ومما يقي أيضاً من العين ستر المحاسن والإمساك عن الكلام في الوصف على وجه لا كلفة فيه ولا مبالغة.
٧ - علاج المسحور:
من أنفع ما يقي من السحر ومن كل شر المداومة على الأوراد الصباحية والمسائية، وقراءة آية الكرسي وسورة الإخلاص والمعوذتين عقب كل صلاة وعند النوم، وقراءة الآيتين من آخر سورة البقرة كل ليلة ومن حبس عن زوجته بالسحر فإنه يأخذ سبع ورقات من السدر الأخضر فيدقها بحجر أو نحوه ويجعلها في إناء ويصب عليه من الماء ما يكفيه للغسل ويقرأ فيها آية الكرسي و {قل يا أيها الكافرون} و {قل هو الله أحد} و {قل أعوذ برب الفلق} و {قل أعوذ برب الناس} وآيات السحر التي في سورة الأعراف.
وهي قوله سبحانه: {وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون * فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون * فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين} .
والآيات التي في سورة يونس وهي قوله سبحانه: {وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم * فلما جاء السحرة قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون * فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين * ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون} .
والآيات التي في سورة طه: {قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى * قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى * فأوجس في نفسه خيفة موسى * قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى * وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى} .
وبعد قراءة ما ذكر في الماء يشرب منه ثلاث مرات ويغتسل بالباقي وبذلك يزول الداء إن شاء الله، وإن دعت الحاجة لا ستعماله مرتين أو أكثر فلا بأس حتى يزول الداء.
ومن علاج السحر أيضاً، وهو من أنفع علاجه، بذل الجهود في معرفة موضع السحر في أرض أو جبل أو غير ذلك، فإذا عرف واستخرج وأتلف بطل السحر.
هذا ما تيسر بيانه من الأمور التي يتقى بها السحر ويعالج بها، والله ولي التوفيق.
٨ - ولا يجوز تمني الموت لضر نزل به، فإن كان لابد فاعلاً فليقل: «اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي» .
(رواه البخاري) .
٩ - ويستحب تلقين المحتضر: لا إله إلا الله لقوله صلى الله عليه وسلم: «لقنوا موتاكم لا إله إلا الله» .
(رواه مسلم) .
ولا يكثر التكرار عليه لئلا يضجر.
١٠ - وما يقال عند المريض أو الميت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا حضرتم المريض أو الميت فقولوا خيراً فإن الملائكة يؤمنون على ماتقولون» .
(رواه مسلم) .
١١ - وإذا بلغه موت صاحبه يقول: «إنا لله وإنا إليه راجعون، وإنا إلى ربنا لمنقلبون» اللهم اكتبه عند في المحسنين، واجعل كتابه في عليين، واخلفه في أهله في الغابرين، ولا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده.
(رواه ابن السني) .
١٢ - دفع حر المصيبة
إن المسلم قد يصاب في نفسه أو في أهله أو في ماله، فكلما قوي إيمان العبد بالله كان متماسكاً صابراً محتسباً عند المصائب، وبقدر صبره واحتسابه يثيبه الله تعالى ويأجره، ومما يخفف ألم المصيبة:
١ - الصبر، قال الله تعالى: {وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} .
٢ - أن يستحضر في ذهنه أن العبد وأهله وماله لله تعالى حقيقة وقد جعله عند العبد عارية، فإذا أخذها منه، فهو كالمعير يأخذ متاعه من المستعير.
٣ - يتذكر أن مصير العبد إلى مفارقة الدنيا، وأن مرجعه إلا الله تعالى مولاه الحق.
٤ - أن يعتقد اعتقادا جازماً أن ما أصابه لم يكن يخطئه، وما أخطأه لم يكن يصيبه.
٥ - أن ينظر إلى ما أصيب به، فيجد ربه قد أبقى عليه مثله، أو أفضل منه وادخر له - إن صبر ورضي - ما هو أعظم من فوات تلك المصيبة بأضعاف مضاعفة، وأنه لو شاء لجعلها أعظم مما هي.
٦ - أن يطفيء نار مصيبته ببرد التأسي بأهل المصائب، وليعلم أنه في كل واد بنو سعد، ولينظر يمنة، فهل يرى إلا محنة؟ ثم ليعطف يسره، فهل يرى إلا حسرة؟ وأنه لو فتش العالم لم ير فيهم إلا مبتلى، إما بفوات محبوب، أو حصول مكروه، وأن شرور الدنيا أحلام نوم أو كظل زائل، إن أضحكت قليلاً أبكت كثيراً، وإن سرت يوماً ساءت دهراً، وإن متعت قليلاً منعت طويلا، وما ملأت داراً حبرةً إلا ملأتها عبرة، ولا سرته بيوم سرور إلا خبأت له يوم شرور.
٧ - أن يعلم المصاب أن الجزع لا يرد المصيبة بل يضاعفها، وهو في الحقيقة من تزايد المرض.
٨ - أن يعلم أن ثواب الصبر والتسليم والاسترجاع عظيم، فليتبين العبد اللبيب لذلك.
٩ - أن يعلم أن الجزع يشمت عدوه، ويسوء صديقه، ويغضب ربه، ويسر شيطانه، ويحبط أجره، ويضعف نفسه، وإذا صبر واحتسب أنضى شيطانه، ورده خاسئاً، وأرضى ربه، وسر صديقه، وساء عدوه، وحمل عن إخوانه، وعزاهم هو قبل أن يعزوه.
فهذا هو الثبات والكمال الأعظم، لا لطم الخدود، وشق الجيوب، والدعاء بالويل والثبور، والسخط على المقدور.
١٠ - أن يعلم أن مرارة الدنيا هي بعينها حلاوة الآخرة، وأن حلاوة الدنيا هي بعينها مرارة الآخرة، ولأن ينتقل من مرارة منقطعة إلى حلاوة دائمة خير له من عكس ذلك، فإن خفى عليك هذا، فانظر إلى قول الصادق المصدوق: «حفت الدنيا بالمكاره، وحفت النار بالشهوات» .
(رواه مسلم) .
١١ - إذا بلغه موت عدو للإسلام يقول: «الحمد لله الذي نصر عبد وأعز دينه» .
(رواه ابن السني) .
١٢ - لا يجوز النياحة على الميت لقوله صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية» (رواه البخاري) .
وقد برىء الرسول صلى الله عليه وسلم، من الصالقة والحالقة والشاقة.
(رواه مسلم) .
أما البكاء اليسير من غير ندب ولا نياحة فجائز لقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا يعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب ولكنه يعذب بهذا وأشار إلى لسانه أو يرحم» .
(رواه البخاري) .
١٣ - عند الصلاة على الجنازة وبعد التكبير الثالثة يدعو فيقول: «اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، اللهم اغفر له وارحمه، واعف عنه، وأكرم نزله ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وزوجأً خيراً من زوجه، وأدخله الجنة، وقه فتنة القبر وعذاب النار» .
(رواه مسلم والترمذي) .
فإن كان طفلاً دعا لأبويه فيقول: «اللهم اجعله سلفاً وفرطاً، وذخراً، وأجراً» .
(رواه البخاري) .
ويقول: «اللهم ثقل به موازينهما، وأفرغ الصبر على قلوبهما، ولا تفتنهما بعده ولا تحرمهما أجره» ، وكان صلى الله عليه وسلم يأمر بإخلاص الدعاء للميت.
(رواه أبو داود) .
١٤ - عند وضع الميت في القبر يقول: «بسم الله، وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم» (رواه الترمذي) .
١٥ - كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: «استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت، فإنه الآن يسأل» (رواه أبو داود) .
١٦ - عند تعزية أهل الميت يقول: «إن لله تعالى ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى» .
(رواه البخاري) .
١٧ - إذا زار القبور يقول: «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لا حقون، نسأل الله لنا ولكم العافية» .
(رواه مسلم) .
١٨ - النهي عن دخول ديار المعذبين إلا أن يكون المار خائفاً باكياً لقوله صلى الله عليه وسلم لأصحابه لما وصلوا ديار ثمود: «لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم لا يصيبكم ما أصابهم» .
(رواه البخاري) .
تنبيه:
على المسلم أن يعلم أنه لا يجوز تعظيم القبور بغير ماورد، مثل الزيارة ورفعها شبراً والنهي عن وطئها والاتكاء عليها، أو المشي بينها بالنعلين.
وأما تعظيمها بالبناء عليها، أو تبليطها، أو إسراجها، أو وضع الزهور عليها، أو التمسح بها والتبرك بتربتها، كل ذلك ونحوه من وسائل الشرك الذي حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم أشد التحذير.
فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها، فقال وهوكذلك: «لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» يحذر مما صنعوا، ولولا ذلك أبرز قبره غير أنه خشى أن يتخذ مسجداً.
(متفق عليه) .
وقال صلى الله عليه وسلم: «ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك» (رواه مسلم) .
وعن جابر - رضي الله عنه - قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تجصيص القبر، وأن يقعد عليه، وأن ينى عليه بناء» (رواه مسلم) .