كتبت والأحشاء محترقة، والأجفان بمائها غرقة. الدمع واكف، والحزن عاكف. مصاب أطلق أسراب الدموع وفرقها، وأقلق أعشار القلوب وأحرقها. مصاب فض عقود الدموع، وشب النار بين الضلوع. مصاب أذاب الدموع الجامدة، وألهب الهموم الخامدة. تحلبت سحائب الدموع الغزار، وانسدت مسالك السكون والاستقرار. كنبت عن عين تدمع، وقلب يجزع. ونفس تهلع. قد أذلت حصون البرة، وحجبت وافد الحبرة. قد مد الهم إلى جسمي يد السقم، وجر الدمع على خدي ذيول الدم. لولا أن العين بالدمع والدم انطق من كل لسان وقلم، لأخبرت عن بعض ما أوهن ظهري، وأوهى ازري.
ذكر الاستراحة بالبكاء والجزع
إن الفجيعة إذا لم تحارب بجيش من البكاء، ولم يخفف من أثقالها بالنشيج والاشتكاء تضاعف داؤها، وزادت أعياؤها، وعز وأعوز دواؤها. قد شفيت غليلي بما استدررته من أسراب الدموع المتحيرة، وخففت عني بعض البرجاء بما امتريته من أخلاقها المتحدرة. إن في إسبال العبرة، وإطلاق الزفرة، والاجهاش بالبكاء والنشيج، وإعلان الصياح والضجيج تنفيساً من برحاء القلوب، وتخفيفاً من أثقال الكروب.
وصف عظم المصيبة وثقل وطأتها
أتى الدهر بما هد الأصلاب، وأطار الألباب من النازلة الهائلة، والفجيعة الفظيعة. يا لها من حادثة كارثة حسنت لي الغلو في الاعتمام، وأذكرتني بفقد الأعزة والأعمام. رزء أضعف العزائم القوية، وأبكى العيون البكية، مصيبة زلزلت الأرض، وهدمت الكرم المحض. مصيبة سلبت الأجفان كراها، والأبدان قواها. فجيعة لا يداوي كلمها آس، ولا يسد ثلمها تناس. مصيبة