للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

في سورة الذاريات قال تعالى (هل أتاك حديث ضيف ابراهيم المكرمين) ذكر المكرمين فذكر ما يقتضي الإكرام وردّ التحية والإكرام، أما في سورة الحجر لم يذكر التكريم فلم يحتاج المقام ذكر ردّ إبراهيم.

فقد نقول ذهبنا إلى آل فلان وسلّمنا عليهم وبتنا عندهم ليلة ورجعنا ولم نقل ردّوا علينا السلام وطلبوا منا أن نبقى عندهم فوافقنا ونذكر كل التفاصيل التي حصلت. وقد نذكر في مقام آخر ذهبنا ورحّبوا بنا وأقسموا أن نبات عندهم وأصروا أن نُفطر عندهم (وفي هذا وصف دقيق حسب المقام ولم نقل سلّمنا عليهم لكن لم يؤثر على المعنى) وإلا كيف رحبوا بنا إذا لم نسلّم عليهم لكن المقام يُحدد ماذا نقول: هل نتحدث عن ضيافتهم أو عن سفرنا نحن؟

نعود إلى الآيات في سورة الذاريات فقد ذكر تعالى المكرمين وكل الأمور المتعلقة بالإكرام ومنها ردّ السلام والمجيء بالعجل وتقديمه لهم. وقد وصف الله تعالى نبيه إبراهيم أنه أوجس منهم خيفة (وهذا شعور في نفسه) أما في سورة الحجر فقال تعالى على لسان إبراهيم - عليه السلام - (إنا منكم وجلون) أي خاطبهم مباشرة ولا نقول في مقام التكريم إني خائف منكم. فكل الأمور حصلت في القصة لكن الله تعالى اختار لكل سورة مشهداً وألفاظ وتعبيرات تناسب سياق الآيات والحالة التي ذكرت فيها فكل قصة في السورتين جاءت بالتعبير المناسب والحالة المناسبة.

ونسأل لماذا يكون هذا في اللغة؟ البلاغة هي مطابقة الكلام لمقتضى الحال أو السياق. فلا يمكن مثلاً في مقام الفرح أن نأتي بقصيدة حزن كما قال الشاعر في وصف دار دخلها الخليفة لأول مرة (يا دار ما فعلت بك الأيام) وقد عابوا على هذا الشاعر مقولته هذه. فيجب أن نحدد أين المقصود توجيه الكلام؟ فهناك عدة أمور نريد التركيز عليها والقصة الواحدة لها عدة جوانب فأي الجوانب نريد أن نركّز عليها فنأتي بجزئياتها المناسبة لهذا الجانب أو غيره.

<<  <   >  >>