أمه أن توافق على بقائه عندها مرة ثانية؛ لِمَا رأت من بركته عليها، فوافقت أُمُّه آمنة، فعادت حليمة بالطفل مرة أخرى إلى ديارها والفرحة تملأ قلبها.
وبعد سنتين عادت به حليمة إلى أمه، وعمره آنذاك أربع سنوات، فحضنته أمه إلى أن توفيت، وكان له من العمر ست سنين، فكفله جده عبد المطلب سنتين ثم توفي، وقبل وفاته أوصى به ابنه أبا طالب عمَّ النبي صلى الله عليه وسلم فحاطه بعنايته كما يحوط أهله وولده.
إلا أنه كان لفقره يعيش عيش الشظف؛ فلم يتعود صلى الله عليه وسلم نعيم الترف، ولعلَّ ذلك من عناية الله بهذا النبي الكريم.
وكان صلى الله عليه وسلم قد ألِفَ رعي الغنم مع إخوانه من الرضاع لما كان في بادية بني سعد، فصار يرعى الغنم لأهل مكة؛ فيكفي نفسه بما يأخذه على ذلك من الأجرة، ولا يرهق عمه بالنفقة.
ثم سافر مع عمه أبي طالب في تجارة إلى الشام، وله من العمر اثنتا عشرة سنة وشهران وعشرة أيام، وهناك رآه "بحيرا" الراهب، وبشَّر به عمَّه أبا طالب، وحذَّره من عدوان اليهود عليه بعد أن رأى خاتم النبوة بين كتفيه.
ثم إنه سافر مرة أخرى مُتَّجراً بمالٍ لخديجة بنت خويلد، فأعطته أفضل مما كانت تعطي غيره؛ إذ جاءت تلك التجارة بأرباح مضاعفة، بل جاءت بسعادة الدنيا والآخرة.
وكانت خديجة هذه أعقل وأكمل امرأة في قريش، حتى كانت تدعى في الجاهلية: الطاهرة؛ لِما لها من الصيانة، والعفَّة، والفضائل الظاهرة.