قال أبو محمد: قد نظرت في سيرة ملوك فارس، فوجدت من أبرويز ومن آخر ملك منهم عشر ملوك فيهم امرأتان، وفي الحديث أربعة عشر شرفة، وأنه يملك منهم على عدد الشرفات، وقد يظن من لا يعلم أو لا يضع الأمور مواضعها، أن قول سطيح هو من علم الغيب ويشبّهه بأخبار الأنبياء عما يكون، وخبر الكاهن لا يكون أبدًا إلا عن أمر قد وقع، أو وقع له سبب يدل عليه؛ كالرؤيا التي رآها الملك، والرؤيا التي رآها الموبذان، وعبرها سطيح، وعلمها بنقل الجن لها إليه، يقول الله تعالى:{وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ}[الأنعام: ١٢١]، وخبر النبي يكون على أمر لا سبب له ولا دليل عليه من نبي يبعث بعده بألف عام ومن ذلك أو حادثة تحدث في الزمان.
[ذكر سير ملوك اليمن]
قرأت في سير ملوك اليمن وأنبائهم، التي حكاها عبيد بن شرية الجرهمي، لمعاوية بن أبي سفيان - رحمه الله - وكان عبيد هذا كبير السن ونسابة، عالمًا بأخبار الأمم: أن [١٣٧/أ] تبعًا الأصغر، وهو تبع بن حسان بن تبع، سار إلى يثرب ونزل في سفح أحد، وبعث إلى اليهود، فقتل منهم ثلاثمائة وخمسين رجلًا صبرًا، وأراد إخرابها فقام إليه رجل من اليهود قد أتت عليه مائتان وخمسون سنة، وقال له: أيها الملك، مثلك لا يقتل على الغضب، ولا يقبل الزور، وأمرك أعظم من أن يطير بك نَزَقٌ، أو يسرع بك لجام، وإنك لا تستطيع أن تخرب هذه القرية، قال: ولِم، قال: لأنها مهاجر نبي من ولد إسماعيل، يخرج من هذه الثنية، يعني: البيت الحرام، فَكَفَّ تُبَّع ومضى يريد مكة، ومعه هذا اليهودي ورجل آخر عالم من اليهود، وهما الحبران الذان حاكمهما إلى النار من خالف اليهودية، وكسا البيت وأطعم الناس، وهو القائل: