وذلك لأن حكم الميت ليس كحكم الحي، فهم إنما قاسوا الميت على الحي، فإن الحي إذا اغتسل من الجنابة ثم خرج منه شيء فإنه يتوضأ عن هذا الخارج؛ لأن هذا الخارج ناقض للحدث (١) الأصغر دون الأكبر، ولا يعيد الغسل كاملاً؛ لأن الغسل قد بنيت حكمه بالاغتسال، وخرج من الحدث الأكبر بالاغتسال، لكن خروج هذا الحدث الأصغر يوجب عليه الوضوء.
وإلحاق الميت بالحي فيه نظر، فإن هذا الغسل إنما هو من باب التعبد وليس بمعنى اغتسال الحي الذي يكون متهيئاً للصلاة ونحوها مما يشترط له الوضوء.
فالأظهر: أنه إذا غسله ثلاثاً فأنقى بدنه، فخرج منه شيء من السبيلين، فإنه يكتفي حينئذ بغسل الموضع الذي خرجت منه النجاسة من غير أن يعيد الغسل مرة أخرى، خلافاً للمشهور عند الحنابلة.
وقال الجمهور: يعيد إيضاءه، وهذا وإن كان على الغاسل أهون من إعادة الغسل، لكن الأولى فيه أن يكتفى بغسل المحل الذي خرج منه الخارج.
قال: [ويجعل في الغسلة الأخيرة كافوراً]
فالغسلة الأخيرة يضيف إليها الكافور، وهو نافع للميت، فإنه يشد البدن ويصلب الجسد ويطرد الهوام، ويبرد البدن أيضا، مما يؤدي إلى تأخر الفساد إليه.
ودليله ما تقدم من قوله - صلى الله عليه وسلم -: (واجعلن في الأخيرة كافوراً أو شيئاً من كافور) (٢) .
والكافور طيب، فإذا لم يوجد الكافور ووجد ما يقوم مقامه مما فيه هذه الفوائد المتقدمة، فإنه يضاف إلى الغسلة الأخيرة شيء من الطيب لحصول شيء من فوائده، فإن الكافور رائحته طيبة.
قال: [والماء الحار والأشنان والخِلال يستعمل إذا احتيج إليه]
" الخلال ": أن يدخل عوداً أو نحوه بين أسنانه لإخراج شيء من الوسخ بين الأسنان.
فالماء الحار قد يعجل بفساد البدن، ومثله الأشنان.
والخلال قد يحدث شيئاً في لثة الميت ويخرج الدم ونحو ذلك.
فهذه الأشياء لا تستعمل إلا إذا احتيج إليه.
(١) كذا في الأصل، ولعل الصواب: للطهارة.