للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في البخاري: (بعد ثمان سنوات كالمودع للأحياء والأموات) (١) أي كان ذلك قبيل وفاته بعد نحو ثمان سنوات من وقعة أحد، وهذا من باب التجوز فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد توفي بعد سبع سنوات وأشهر من غزوة أحد.

واستدلوا: بما رواه الطحاوي بإسناد حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على حمزة فكبر عليه تسع تكبيرات ثم صلى على الشهداء وكل ذلك وهو يصلي على حمزة " (٢) يعني في كل واحد من الشهداء يصلي على حمزة ".

قالوا: والحديث حسن.

أما الحديث الثاني وهو ما رواه الطحاوي، فإنه حديث منكر، وقد ضعفه الشافعي وأعله ابن القيم وغيرهم.

فإن المحفوظ عنه في الصحيحين وغيرهما أنه لم يصل على شهداء أحد، ولم يكن هذا ليخفى على جابر وأبوه من شهداء أحد، وكذلك لم يكن ليخفى على أنس وله في أحد شهداء.

أما الحديث المتفق عليه: فإنه يحتمل أن يكون المراد أنه دعا لهم كدعائه للميت، وهذا يكون فيه الجمع بين ترك النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة عليهم أولاً، ويكون فعله الثاني مجرد الدعاء لهم، لكن قال: (كصلاته على الميت) لبيان أن هذا الدعاء مخصوص فهو كالدعاء الذي يقع في الصلاة على الميت.

ثم لو قلنا: أنه صلى عليهم صلاة كالصلاة المعروفة، فإنه ينبغي أن يقال: بكونه خاصاً بالنبي صلى الله عليه وسلم، لأنهم لا يقولون بذلك.

فالظاهر ما تقدم أنه دعاء كالدعاء في صلاة الميت، أو أن يكون ذلك خاصاً بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الصلاة على الميت إنما تشرع عند موته، وأما أن يكون ذلك بعد ثمان سنوات فلا.

فالأظهر مذهب الجمهور وأن شهداء المعركة لا يصلى عليهم لترك النبي صلى الله عليه وسلم ذلك.

ثم لو قلنا بالحديث الذي ذكره الأحناف فيحسن أن يقال بما هو رواية عن الإمام أحمد: أن الصلاة على الشهيد تركها أولى فإن صلى فلا بأس.


(١) أخرجه البخاري في كتاب المغازي، باب (١٧) غزوة أحد رقم (٤٠٤٢) .