ـ وهذا في الحقيقة أولى؛ لأن هذا الإصطلاح ـ ولا مشاحة في الإصطلاح ـ فيه تمييز بين الواجبات نفسها.
فالأظهر هو القول بالتفريق بين الواجب والفرض، وهو رواية عن الإمام أحمد ومذهب أبي حنيفة.
قال المصنف ـ رحمه الله ـ:(فروضه ستة) :
يريد بالفروض هنا: أركان الوضوء، وذلك لأن ما ذكره المؤلف من هذه الست كلها جزء من ماهية الوضوء، وجزء الشيء ركنه.
قوله:((غسل الوجه)) :
هذا هو الفرض الأول، ودليله قوله تعالى:(فاغسلوا وجوهكم) وهذا بالإجماع وسيأتي مزيد تفصيل له عند الكلام على صفة الوضوء.
قوله:((والفم والأنف منه)) :
أي المضمضة والاستنشاق، فعلى ذلك المضمضة والاستنشاق فرض؛ لأنهما من الوجه، فالوجه ما يواجه به وهذه الأعضاء تتم بها المواجهة كما تتم المواجهة ببقية أجزاء الوجه.
ـ وهذا الكلام فيه نظر، فالأظهر: أن الفم والأنف ليسا من الوجه حقيقة، وذلك لأنهما وإن كانا في الظاهر من الوجه لكن الذي يتم تغسيله إنما هو باطنهما ولا شك أن الباطن ليس مما يواجه به.
كما أنهم لم يوجبوا تخليل اللحية الكثيفة وأوجبوا غسل ظاهرها، مع أن اللحية مما يواجه به، فأوجبوا غسل ظاهرها؛ لأنه من الوجه ولم يوجبوا غسل باطنها وكذلك هنا: فالأنف والفم غسل ظاهرهما يجب بالإجماع.
ـ أما باطنهما، فالراجح هو ما ذهب إليه الحنابلة من وجوب المضمضة والاستنشاق لكن ليس للتعليل الذي ذكره وإنما للأدلة الشرعية الدالة على ذلك منها:
ـ ما ثبت في الصحيحين أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال:(إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم لينتثر)(١) فهو فيه إيجاب الاستنشاق لأمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم والأصل في الأمر الوجوب.
ـ وأما المضمضة فدليلها: ما ثبت في سنن أبي داود بإسناد صحيح أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـقال: (إذا توضأت فمضمض)(٢) فهذا أمر والأمر للوجوب.