واستدل أهل القول الأول على أن المقوم هو المثل قالوا: لأن المقصود من الكفارة أن تكون عدلاً بين هذه الأشياء، فكان ينبغي أن تكون مساوية للمثل لا مساوية للأصل، بدليل قوله تعالى بعد ذلك:{أو عدل ذلك صياماً} فدل على أن هذه الكفارات الثلاث المخير فيها أن المقصود فيها أن تكون على هيئة متساوية متقاربة.
قالوا: ولأن الواجب في الأصل المثل فحسب أما هنا فإنه لما وقع الخيار بين هذه الثلاثة الأشياء، كان التساوي هو الأنسب فيها.
وأما ما ذكرتموه أنتم – أي المالكية – فحيث كان ذلك مع العجز عن المثل، لأن الواجب هو المثل، فإن عجز عن المثل انتقل إلى القيمة، وهنا على خلاف ذلك: فإنا نأتي بالقيمة مع قدرتنا على المثل.
والأظهر ما ذهب إليه الحنابلة، فإن تعليلهم أظهر.
ثم إن الحاجة – فيما يظهر لي – تقتضي ذلك فإن تقويم الصيد فيه مشقة ظاهرة بخلاف بهيمة الأنعام فإنها مشهورة في التقويم عند الناس، فالناس يعرفون أقيامها ويقدرونها تقديراً ظاهراً بخلاف الصيد فإن في تقويمه شيئاً من المشقة، فكان الأنسب أن يعود التقويم إلى المثل، وكما تقدم فإن في قوله تعالى:{أو عدل ذلك صياماً} تنبيهاً إلى المثلية بين هذه الكفارات الثلاث بين المثل وبين الإطعام والصيام.
الثالث:{أو عدل ذلك صياماً} ينظر عدد المساكين الذين يمكن إطعامهم، فيصوم بعددهم أياماً.
فمثلاً: بلغوا مئتين كما في المثال السابق فيصوم مئتي يوم، {ليذوق وبال أمره} : أي ليذوق نتيجة عدوانه على ما نهى الله عنه من حرمه أو على فعل هذا الأمر المحظور عليه.
قال المؤلف – في بيان ذلك -: (وبجزاء صيد بين مثل إن كان أو تقويمه بدراهم يشتري بها طعام فيطعم كل مسكين مُداً " أي من البر " أو يصوم عن كل مدٍ يوماً)
والمقصود بالمد هنا: مدٌ من حنطة، فإن بقي بعض مدٍ فلا يصوم بعض يوم لأن اليوم لا يتجزأ بل يجبره فيصومه تاماً.