ففي هذا الأثر: أن مشروعيته – أي الاضطباع – كانت لإظهار قوة المسلمين أمام الكفار وكان ذلك في عمرة القضية في السنة الثامنة للهجرة، وسميت قضية لأنها كانت قضاءً لعمرة الحديبية التي أحصر عنها النبي صلى الله عليه وسلم " فكان الكفار يقولون: يأتيكم محمد وأصحابه وقد وهنتهم حمى يثرب " وكانت يثرب معروفة بالحمى فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يظهر للكفار جلد المسلمين وقوتهم فأمرهم بالرمل في الأشواط الثلاثة وبالكشف عن المناكب في الطواف كله، فإن في ذلك كله إظهاراً للجلد.
ومع ذلك قال عمر:(مع ذلك لا ندع شيئاً كنا نفعله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) وذلك: لأنه لا مانع أن يستحب الشيء لمصلحة ثم يبقى استحبابه بعد ذلك فإن فيه تذكيراً لنعمة الله عز وجل بعد أن كان المسلمون ضعفاء وينظر إليهم الكفار أنهم ضعفاء فاحتاجوا إلى أن يظهروا قوتهم، وكانوا كذلك – بعد أن كانوا – على ضعف، فيتذكر المسلم كذلك ما كان عليه المسلمون من الضعف السابق لقوتهم.
هذا هو السنة والمستحب للقادم مكة حاجاً أو معتمراً أن يكون أول شروعه بالاشتغال بالطواف فلا يسبق ذلك اشتغال بشيء من العبادات من قراءة قرآن أو ذكر أو تحية مسجد أو نحو ذلك بل يستحب له أن يتعجل بطوافه بالبيت.
فقد ثبت في الصحيحين عن عائشة قالت:(أول شيء بدأ به النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم البيت أن توضأ ثم طاف بالبيت)(١)
فالمستحب للمعتمرين أن يشرعوا بطواف عمرتهم ومثل ذلك المتمتع الذي أول نسكه العمرة يشرع بطواف عمرته، والقارن والمفرد طوافهم حينئذٍ طواف القدوم فيطوفون بالبيت طواف القدوم، والنبي صلى الله عليه وسلم كان قارناً فكان طوافه طواف القدوم.
(١) أخرجه البخاري، ومسلم باب بيان أن المحرم بعمرة لا يتحلل بالطواف قبل السعي من كتاب الحج، صحيح مسلم بشرح النووي [٨ / ٢٢٠] .