للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقول الثالث في المسألة وهو قول الظاهرية، وأكثر المالكية وهو قول بعض الحنابلة وبعض الشافعية وبعض الأحناف: أي إلقائه فمحرم مطلقاً وإن كان نطفة؛ وهذا القول هو أرجح هذه الأقوال وذلك لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتفق عليه: (يجمع خلق أحدكم في بطن أمه أربعين يوماً نطفة ....) ، والذي يتبين أنه في حال النطفة، أي في حال جمع الخلق، فيتبين أنه في حال تهئ للخلق الجديد، وعليه فهو محرم فإلقاءه محرم والتعدي عليه جناية.

واستدل الحنابلة على أنه اسكان نطفة، فيجوز إلقاءه، لما روى أحمد في مسنده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في حديث ابن مسعود: (أن النطفة تكون في الرحم أربعين يوماً لا تتغير) ، قالوا: فإذا كانت لا تتغير فإنها ليست بعد في طور التخلق وعليه فلا حرمة لها، فيجوز إلقاءها، لكن الحديث إسناده ضعيف وهو يعارض حديث ابن مسعود المتفق عليه المتقدم وفيه أنها تتخلق.

فالصحيح أنه يحرم الإجهاض مطلقاً، هذا حيث كان الإجهاض اختيارياً، وأما إذا كان إطرارياً فهذا:

إن كان قبل نفخ الروح فاضطرت إلى اسقاطه لأنه يلحقها الضرر بإبقائه فإنه يجوز الإسقاط حينئذٍ، وذلك من باب تقديم الوقوع في المفسدة الصغرى درءاً للمفسدة الكبرى، فلا شك أن رفع الضرر عن هذه المرأة أولى من تخلق هذا الجنين الذي بعدُ لم ينفخ فيه الروح.

وأما إذا كان بعد نفخ الروح فإن الأمر يكون أعظم والتشدد فيه أكثر، وعليه فإذا كان في إبقائه إتلاف للأم وتعريض لحياتها للخطر فيجوز الإسقاط في الأظهر وذلك لوجهين:

أن الأم هي الأصل والأبن فرع عنها، ولا شك أن إبقاء الأصل أولى من إبقاء الفرع.

أن الأم حياتها حياة متحققة وأما هذا الجنين فحياته حياة مظنونة غير متحققة، ومن ثمَّ فرق الشارع بين دية الجنين ودية المولود، فالجنين ديته غرة، وأما المولود فديته دية غيره كما سيأتي.

<<  <  ج: ص:  >  >>