والذي يتبين لي أن هذا الظاهر صحيح وذلك لأنه حيث اعترف فإنه تائب، وتوبته قبل أن يقدر عليه وقد قال تعالى: ((إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم)) . فهذا قد أتى تائباً ولم تقم عليه بينة تدل على سرقاته فحينئذ إن اعترف أقيم عليه الحد، فإن رجع عن اعترافه قبل ذلك منه، والله أعلم.
قال: [وأن يطالب المسروق منه بماله] .
إذا ثبتت السرقة عند الحاكم ولم تثبت مطالبة بهذا المال فلا يقيم عليه الحد.
إذا أتى المسروق منه إلى الحاكم فقال: سرق مالي فعُثر على السارق فهنا يقطع ولا اشكال.
لكن إن لم يطالب المسروق منه أو كان غائباً، فهل يقام عليه الحد في الصورة الأولى، وفي الصورة الثانية هل ننتظر حتى يحضر فننظر هل يطالب أم لا؟
قولان لأهل العلم:-
القول الأول: ما ذكره المؤلف هنا، وهو مذهب الجمهور قالوا لا يقيم عليه الحد إلا بمطالبة المسروق منه.
واستدلوا بحديث صفوان لما سرق رداؤه وهو متوسد عليه في المسجد فذهب بالسارق إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمر به أن يقطع فشفع له صفوان فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: (هلا كان هذا قبل أن تأتيني) .
قالوا: فيدل على أنه لا يقام إلا بالمطالبة.
والقول الثاني: وهو مذهب مالك واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية: أن الحد يقام ولو لم يطالب المسروق منه وذلك لأن الحد حق لله تعالى فيقام على السارق وإن لم يطالبه المسروق منه، فما دام وصل إلى الحاكم فإن الحد يقام عليه.
واستدل: بعموم الآية: "والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما".
ولم يشترط الله سبحانه طلب المسروق منه ولا رضاه في إقامة الحد.
وأما الحديث الذي استدلوا به، فإن الحديث قضية عين، فليس فيه أنه لو بلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - ورفع ذلك أنه لا يقيم عليه الحد.
وقد أقام الحد - صلى الله عليه وسلم - كما في حديث أبي أمية وتقدم أنه حديث حسن وأقامه علي وليس في ذلك طلب من المسروق منه.