فكذلك السرقة لابد أن يقرّ على نفسه مرتين، هذا هو المشهور في مذهب أحمد، خلافاً للجمهور.
فالجمهور قالوا: يكتفي باقرار مرة لأنه اعتراف والاعتراف يثبت بمجرد الإقرار ولو مرة واحدة.
والحجة مع أهل القول الأول لما تقدم.
فالصحيح أنه لا يقام عليه الحد إلا إذا شهد على نفسه مرتين.
إذن: لابد أن يقر على نفسه مرتين ويصف سرقة توجب الحد، فيبين الحرز ويبين قدر ما سرق، فيعلم لو توفر الشروط وكذلك في البينة فلابد وأن يشهد كل شاهد بما يوجب الحد فيصف السرقة وأنه قد سرق من حرز وأن المسروق كذا.
إذن: يثبت حد السرقة بالبينة والاعتراف.
لكن هل يثبت بطريق ثالث أم لا؟
والمذهب أنه لا طريق ثالث، بل لا يقام الحد إلا بأحدهما.
واختار ابن القيم وقال: " وهو أصح القولين" أن هناك طريقاً ثالثاً وهو: أن العين المسروقة عند السارق مع التهمة فإذا كان ممن يتهم بالسرقة ووجدت عنده العين المسروقة فيرى ابن القيم إقامة الحد عليه.
وهذا ظاهر كما تقدم في إقامة الحد على من تقيأ الخمر أو وجدت منه رائحته وإقامة حد الزنا بالحبل.
فالبينة والاعتراف خبران يحتملان الصدق والكذب، وغلبه الظن صدقهما.
وأما إذا وجدت عنده العين المسروقة فهذا نص صريح في السرقة لا يحتمل إلا السرقة كما قال ابن القيم.
لكن: فيما يظهر لو ادعي شبهة كان يدعي أنها عارية عنه فالذي يظهر أن هذا يدرأ عنه الحد، فإن الحدود تدرأ بالشبهات.
قال: [ولا ينزع عن إقراره حتى يقطع] .
فلو قال: رجعت قبيل القطع فإنه لا يقطع، وذلك كما تقدم في باب الزنا.
وظاهر كلام المؤلف ولو كان اقراره تدل عليه القرائن كأن يصف السرقة وأن يكون المسروق عنده، وأن يكون المسروق منه قد فقد هذا الشيء – فلو دلت القرائن على السرقة فله الرجوع هذا هو ظاهر كلام الحنابلة.