ومما يدل على جواز ذلك فيما بينه وبين ربه أن سعد بن معاذ سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إن وجدت مع امرأتي رجلاً أمهله حتى أتي بأربعة شهداء؟ فقال: نعم، وهذا جواب في الحكم بالظاهر، فقال سعد والذي بعثك بالحق لأعاجله بالسيف، فقال - صلى الله عليه وسلم -: (اسمعوا إلى ما يقول سيدكم إنه لغيور وإني لغيور والله أغير منا) فهنا النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ينهه ولم يأذن له، لأنه لو أذن له بذلك في سؤاله الأول لكان هو حكم الشرع ظاهراً وباطناً لكنه أقره ولم ينهه.
المسألة الثانية:
إذا اجتمعت حدود فلا يخلو هذا من ثلاثة أحوال:-
الحال الأولى:
أن تكون كلها حدود لحق آدمي، ويدخل في هذه المسائل ما لو لم تكن حدوداً كالقتل وقطع الطرفين ونحو ذلك.
فإذا كانت حقوقاً للآدميين فيجب استيفاؤها كلها فلو أن رجلاً قتل شخصاً وقطع طرف آخر، فيجب قطع طرفه ثم يقتل.
وإذا قلنا إن حق القذف حق للآدمي كما هو المذهب فإذا قذف فإنه أيضاً يجلد.
وهذا باتفاق العلماء لأن حقوق الآدميين مبناها على المشاحة.
الحالة الثانية:
أن تكون الحدود كلها لله تعالى، كأن يجتمع عليه حد حرابة وحد سرقة ونحو ذلك، فلا تخلو هذه الحال من حالتين:-
١) ألا يكون فيها قتل فحينئذ يجب استيفاؤها كلها اتفاقاً.
كأن يكون قد سرق وعليه حد حرابة لكنها لا تصل إلى القتل وإنما النفي مثلاً فإنه يستوفي هذا وهذا باتفاق العلماء.
٢) أن يكون فيها قتل، فقولان:-
القول الأول: وهو مذهب الجمهور: إن القتل يحيط بكل شيء وفيه أثر عن ابن مسعود عند ابن أبي شيبه لكن إسناده ضعيف.
وقالوا: لأن المقصود هو الإنزجار.
والقول الثاني في المسألة: وهو مذهب الشافعي يجب استيفاؤها كلها وذلك لأنها عقوبات فقطع يده لسرقته وقتله في الحرابة لحرابته فيجب أن نستوفي هذا وأن نستوفي هذا.
وهذا أظهر والله أعلم.
الحالة الثالثة:
أن تكون الحدود بعضها لله تعالى وبعضها للآدميين.