فحدود الآدميين يجب استيفاؤها، وكما تقدم لفظة حدودهنا فيها تجوز فيدخل فيها القصاص وهو ليس من الحدود.
وأما حدود الله تعالى فيرجع إلى الخلاف المتقدم فالشافعي يقول، يجب استيفاؤها كلها.
والجمهور يقولون: إن كان فيها قتل فإنا نكتفي به والراجح ما تقدم.
" باب قتال أهل البغي"
البغي: من بغا يبغي إذا اعتدى
والأصل في هذا الباب قوله تعالى: ((وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين)) .
وما يتفرع في هذا الباب من مسائل، فأصله قتال علي رضي الله عنه لمن خالفه من الصحابة وغيرهم في صفين والجمل، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح مسلم وغيره: "يقتل عمراً الفئة الباغية".
وفي مستدرك الحاكم بإسناد صحيح عن أبي أمامه قال: " شهدت صفين فكانوا لا يجيزون جريحاً أي لا يجهزون عليه، ولا يطلبون دماً أي إذا فر من القتال فإن دمه لا يطلب ولا يسلبون قتيلاً) .
وليس هذا أي قتال أهل البغي - ليس من جنس قتال الخوارج، فإن قتال الخوارج ولا شك، أوجب وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقتالهم في قوله: (فاقتلوهم أينما وجدتموهم فإن في قتلهم أجراً عند الله عز وجل) .
وهؤلاء أي البغاة مأولون تأويلاً سائغاً وإن كان منهم من يكون غاصباً.
وأما الخوارج فليس لهم تأويل سائغ.
ولذا اختلف أهل العلم، هل قتال الخوارج كقتال البغاة أم لا؟
قولان لأهل العلم:-
المشهور في مذهب أحمد، أن قتال الخوارج كقتال البغاة فلا يجاز جريحهم ولا يطلب دم فارهم ولا يسلب قثيلهم.
والقول الثاني في المذهب وصححه الموفق والشارح وصوبه صاحب الإنصاف: أنه ليس لهم هذا الحكم، بل يجهر على جريحهم ويسلب قتيلهم ويتبع فارهم ويطلب دمة.