فدماؤهم معصومة وأموالهم معصومة وإنما هو من جنس دفع الصائل فالجريح قد إندفعت صولته، والفار قد أندفعت صولته، والأثر المتقدم أي أثر أبي أمامة يدل على ذلك.
أيضاً لا يجوز أن يقاتلهم بما فيه إهلاك عام كالإحراق وكالمنجنيق أو نحو ذلك وذلك لأن قتالهم من باب دفع الصائل فيدفع بالأسهل.
لكن لو كان مضطراً محتاجاً إلى الدفع بالأصعب بأن كان لا يمكنه دفع صولتهم إلا بالأهلاك العام فإن ذلك يجوز.
فإذا وضعت الحرب أوزارها فلا ضمان من الطرفين أي لا هؤلاء يضمنون الدماء التي سفكوها، والأموال التي أتلفوها ولا الآخرون كذلك.
أما أهل العدل، الذين هم الإمام ومن معه، فإن هذا ظاهر لأنه قتال مأذون لهم فيه، فليس عليهم ضمان.
وأما الطائفة الأخرى وهي طائفة البغي، فلا يضمنون لأنهم متأولون.
ولذا فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في الصحيحين لم يضمن أسامة دم الرجل الذي قتله بعد أن قال لا إله إلا الله لأنه قتله متأولاً.
فلو أن أحدهم فر فتبعه بعض أهل العدل فقتله فإنه يضمن وذلك لأنه بغير حق، وهو فعل ليس بمأذون فيه لكن هل يثبت القصاص أم لا؟
وجهان في مذهب أحمد وغيره، أصحهما أن القصاص لا يثبت للشبهة.
فإن فر إلى فئة أخرى ليتقوى فهل يجوز قتله أم لا؟
قولان لأهل العلم:-
فالمشهور في المذهب: أنه لا يقتل أيضاً أي لا يتبع فيقتل.
والقول الثاني في المسألة: وهو مذهب أبي حنيفة، ومذهب كثير من الشافعية أنه يقتل، وهذا أظهر لأنه فر للقتال والحرب فهو ليس فاراً من القتال بل فارُ له.
قال: [وإن اقتتلت طائفتان لعصبية أو رياسة فهما ظالمتان] .
عصبية ما تقع بين القبائل فتتعصب هذه ويتعصب تلك من غير أن تكون إحداهما تطلب الرياسة من الأخرى.
"أو رياسة"وكل واحدة منهما تريد الرياسة على الأخرى فالطائفتان جميعاً ظالمتان، فكل واحدة من الطائفتين ليست بطائفة عدلٍ وليس من البغاة المتأولين.
قال: [وتضمن كل واحدة، ما أتلفت على الأخرى] .