إذا قالوا: خرجنا لأنك قد أوجبت علينا ما ليس بواجب أو حرمت علينا ما ليس بحرام فما هو دليلك على ذلك وما هي حجتك فحينئذ يبين لهم بالحجة والبرهان ما يزيل لهم شبهتهم ويكشفها أي بما يرسل لهم من أهل العلم لقوله تعالى: ((وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما)) وهذا من الإصلاح.
قال:[فإن فاءوا وإلا قاتلهم] .
لقوله تعالى:((وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي)) .
وقوله (فقاتلوا) يدل على أنه يجب على الرعية أن يقاتلوا لقوله تعالى: ((فقاتلوا التي تبغي)) لكن هذا ليس على إطلاقه كما تدل عليه النصوص وآثار الصحابة رضوان الله عليهم في قتال صفين والجمل.
فإن أكثر الأكابر من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يشتركوا في القتال مع أن علياً هو أمير المؤمنين بالبيعة، وشارك بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كعمار بن يسار وغيره.
وإنما لم يشارك منهم من لم يشارك لأنه رأى أن في القتال مفسدة راجحة فحينئذ يكون قتال فتنة وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: (تكون فتن، فكن عبد الله المقتول ولا تكن القاتل) رواه أحمد وغيره.
وقال - صلى الله عليه وسلم - كما في سنن أبي داود:(فكن كخير ابني آدم) وهم أي الذين لم يشاركوا مع علي، قد تعارض لديهم وجوب طاعة الإمام، ونص النبي - صلى الله عليه وسلم - في النهي عن قتال الفتنة.
ووجوب طاعة الإمام نص عام، وهذا نص خاص فترجح النص الخاص وهو النهي عن القتال في الفتنة.
ولذا كما ذكر شيخ الإسلام، لم يكن علي يستدل بنص في قتاله لمعاوية رضي الله عنهم ومن معهم، وإنما ذكر أنه رأي قد رآه، وكان أحياناً يثني على من لم يشارك.
وقتال البغاة كما تقدم لا يجهز فيه على جريحهم، ولا يطلب فارهم، ولا يسلب قتيلهم.