أي أسلم ثم كفر، ثم أسلم ثم كفر، فقد تكررت ردته، فإذا أتى به إلى القاضي ليقتل فقال: أسلمت فهل يقبل منه ذلك أم لا؟
قال المؤلف هنا: لا يقبل، لقوله تعالى:((إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلاً)) .
ومثل ذلك أيضاً، الساحر، لقول عمر:" اقتلوا كل ساحر وساحرة" رواه البخاري. هذا كلام فيه إطلاق فلم يستثن من تاب ومثل هذا أيضاً الزنديق وهو ما يسمى عند السلف، المنافق وهو من يظهر الإيمان ويبطن الكفر، فإذا ثبت لنا ذلك كأن يشهد عليه من تقبل شهادته أنه قد قال كلمة تدل على نفاقه وأنه ليس بمسلم فكذلك لا تقبل توبته في الظاهر أي عند الحاكم.
هذا هو المشهور في المذهب في هذه المسألة وهو مذهب مالك.
وعن الإمام أحمد وهو مذهب الشافعي: أن توبته تقبل لعموم الأدلة التي تدل على قبول التوبة.
والصحيح هو القول الأول: وذلك لأن المنافق أو الزنديق الذي ظهر منه الإسلام وبطن منه الكفر إذا استدللنا على كفره فأراد أن يظهر الإسلام فإننا لا نستفيد من إظهاره للإسلام لأنه كاذب علينا في الأول فلم يكن مظهراً الكفر فإذا أظهر الإسلام كان إظهاره للإسلام مقبولاً حينئذ لأنه استبدل ظاهره، لكن هنا ظاهره الإسلام في السابق وباطنه الكفر فعرفنا زندقيتة فلا نأمن إذا ادعى الإسلام مرة أخرى أن يكون منافقاً والشرع يقصد حفظ الأديان، وإن كان صادقاً في توبته فالله يقبل توبته فيما بينه وبينه عز وجل، فهذا هو القول الراجح.
وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية في مسألة شاتم الرسول وألف في ذلك مؤلفاً مشهوراً.
واختار ابن القيم هذا القول لكن قيّده بتقييد صحيح وهو ألا تقبل توبته إذا كانت بعد القدرة عليه، وأما إذا كانت قبل القدرة عليه، فإنها تقبل.
فلو أن رجلاً كان ساحراً فتاب إلى الله عز وجل قبل أن يقدر عليه السلطان فإن توبته تقبل لأن ما يخشى مأمون حينئذ.