للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عز وجل: {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ} ١ فاستثنى إبليس من الملائكة وليس من الملائكة وقال الشاعر:

وقفت فيها أصيلا لا أسائلها ... أعيت جوابا وما بالربع من أحد

ألا أوارى لأياً ما أبينها ... والنؤى كالحوض بالمظلومة الجلد

فاستثنى الأوارى من الناس وهل هو حقيقة أم لا فيه وجهان. من أصحابنا من قال: هو حقيقة، ومنهم من قال. هو مجاز وهذا الأظهر لأن الاستثناء مشتق من قولهم ثنيت عنان الدابة إذا صرفتها أو من تثنية الخبر بعد الخبر وهذا لا يوجد إلا فيما دخل في الكلام ثم يخرج منه.

فصل

ويجوز أن يستثنى الأكثر من الجملة وقال أحمد لا يجوز وهو قول القاضي أبي بكر الأشعري وابن درستويه. والدليل على جوازه أن القرآن ورد به قال الله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} ٢ ثم قال: {فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} ٣ فاستثنى الغاوين من العباد واستثنى العباد من الغاوين وأيهما كان أكثر فقد استثناه من الآخر ولأن الاستثناء معنى يوجب تخصيص اللفظ العام فجاز في القليل والكثير كالتخصيص بالدليل المنفصل.

فصل

إذا تعقب الاستثناء جملا عطف بعضها على بعض وجمع ذلك إلى الجميع وذلك مثل قوله عز وجل:

{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} ٤ وقال أصحاب أبي حنيفة رحمه الله: يرجع إلى ما يليه، وقال القاضي أبو بكر: يتوقف فيه ولا يرد إلى شيء منهما إلا بدليل والدليل على ما


١ سورة الحجر الآية: ٣٠, ٣١.
٢ سورة الحجر الآية: ٤٢.
٣ سورة ص الآية: ٨٢, ٨٣.
٤ سورة النور الآية ٤, ٥.

<<  <   >  >>