[باب القول فبي بيان الأشياء قبل الشرع واستصحاب الحال والقول بأقل ما قيل وإيجاب الدليل على الباقي]
واختلف أصحابنا في الأعيان المنتفع بها قبل ورود الشرع، فمنهم من قال أنها على الوقف لا يقضي فيها بحظر ولا إباحة وهو قول أبي علي الطبري وهو مذهب الأشعرية، ومن أصحابنا من قال هو على الإباحة وهو قول أبي العباس وأبي إسحاق، فإذا رأى شيئا جاز له تملكه وتناوله وهو قول المعتزلة البصريين، ومنهم من قال هو على الحظر فلا يحل له الانتفاع بها ولا التصرف فيها وهو قول أبي علي بن أبي هريرة وهو قول المعتزلة البغداديين والأول أصح لأنه لو كان العقل يوجب في هذه الأعيان حكما من حظر أو إباحة لما ورد الشرع فيها بخلاف ذلك ولما جاز ورود الشرع بالإباحة مرة وبالحظر مرة أخرى دل على أن العقل لا يوجب في ذلك حظرا ولا إباحة.
فصل
وأما استصحاب الحال فضربان: استصحاب حال العقل واستصحاب حال الإجماع.
فأما استصحاب حال العقل فهو الرجوع إلى براءة الذمة في الأصل وذلك طريق يفزع إليه المجتهد عند عدم أدلة الشرع ولا ينتقل عنها إلا بدليل شرعي ينقله عنه فإن وجد دليلا من أدلة الشرع انتقل عنه سواء كان ذلك الدليل نطقا أو مفهوما أو نصا أو ظاهرا لأن هذه الحال إنما استصحبها لعدم دليل شرعي فأي دليل ظهر من جهة الشرع حرم عليه استصحاب الحال بعده.
فصل
والضرب الثاني: استصحاب حال الإجماع وذلك مثل أن يقول الشافعي رضي الله عنه في المتيمم إذا رأى الماء في أثناء صلاته إنه يمضي فيها لأنهم أجمعوا قبل رؤية الماء على انعقاد صلاته فيجب أن تستصحب هذه الحال بعد