للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال له: هل أخبرت أحدًا بما كان بيني وبينك البارحة؟ فأنكر ابن عمار كل الإنكار، فقال المعتمد للرسول: قل له: الورقتان اللتان استدعيتَهما، كتبت في إحداهما القصيدة، فما فعلتَ بالأخرى؟ فادعى أنه بيَّض فيها القصيدة؛ فقال المعتمد: هلم المسوَّدة! فلم يجد جوابًا، فخرج المعتمد حنِقًا وبيده الطبرزين١ حتى صعد الغرفة التي فيها ابن عمار، فلما رآه علم أنه قاتله، فجعل ابن عمار يزحف وقيوده تثقله، حتى انكب على قدمي المعتمد يقبلهما، والمعتمد لا يثنيه شيء؛ فعلاه بالطبرزين الذي في يده، ولم يزل يضربه به حتى بَرَد٢.

ورجع المعتمد فأمر بغسله وتكفينه، وصلى عليه ودفنه بالقصر المبارك. فهذا ما انتهى إلينا من خبر ابن عمار ملخَّصًا حسبما بقي على خاطري.

رجع الحديث عن بني عباد

ولم يزل المعتمد هذا في جميع مدة ولايته والأيام تساعده، والدهر على ما يريده يؤازره ويعاضده، إلى أن انتظم له في ملكه من بلاد الأندلس ما لم ينتظم لملك قبله، أعنى: من المتغلبين. ودخلت في طاعته مدن من مدائنها أعيت الملوك وأعجزتهم، وامتدت مملكته إلى أن بلغت مدينة مرسية، وهي التي تعرف بـ تدمير، بينها وبين إشبيلية نحو من اثنتي عشرة مرحلة، وفي خلال ذلك مدن متسعة وقرًى ضخمة.

وكان تغلبه على قرطبة، وإخراجه ابن عكَّاشة منها يوم الثلاثاء لسبع بقين من صفر سنة ٤٧١. ثم رجع إلى إشبيلية واستخلف عليها٣ ولده عبادًا ولقبه بـ المأمون، وهو أكبر ولده، ولد له في حياة أبيه المعتضد، وسماه عبادًا، فكان المعتضد يضمه إليه ويقول: يا عباد، يا ليت شعري من المقتول بقرطبة، أنا أو أنت؟ فكان المقتولَ بها عبادٌ هذا في حياة أبيه المعتمد، وفي السنة التي زال عنهم الملك فيها.

أول أمر المرابطين بالأندلس

ولما كانت سنة ٤٧٩ جاز المعتمد على الله البحر قاصدًا مدينة مراكش إلى يوسف بن تاشفين، مستنصرًا به على الروم، فلقيه يوسف المذكور أحسن لقاء، وأنزله أكرم نُزُل، وسأله عن حاجته، فذكر أنه يريد غزو الروم، وأنه يريد إمداد أمير المسلمين إياه بخيل ورجال؛ ليستعين بهم في حربه. فأسرع أمير المسلمين المذكور


١- الطبرزين: سلاح قديم يشبه الفأس.
٢- برد الرجل: مات.
٣- يعني: على قرطبة.

<<  <   >  >>