للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إجابته إلى ما دعاه إليه؛ وقال له: أنا أول منتدب لنصرة هذا الدين، ولا يتولى هذا الأمر أحد إلا أنا بنفسي!.

فرجع المعتمد إلى الأندلس مسرورًا بإسعاف أمير المسلمين إياه في طِلْبَته١، ولم يدر أن تدميره في تدبيره؛ وسل سيفًا يحسبه له ولم يدر أنه عليه؛ فكان كما قال أبو فراس٢: من الطويل

إذا كان غير الله للمرء عُدة ... أتته الرَّزايا من وجوه الفوائدِ٣

كما جرت الحنفاء حَتْفَ حُذيفة ... وكان يراها عُدة للشدائدِ! ٤

فأخذ أمير المسلمين يوسف بن تاشفين في أهبة العبور إلى جزيرة الأندلس؛ وذلك في شهر جمادى الأولى من السنة المذكورة، فاستنفر من قدر على استنفاره من القواد وأعيان الجند ووجوه قبائل البربر؛ فاجتمع له نحو من سبعة آلاف فارس في عدد كثير من الرَّجل؛ فعبر البحر بعسكر ضخم، وكان عبوره من مدينة سبتة، فنزل المدينة المعروفة بالجزيرة الخضراء، وتلقاه المعتمد في وجوه أهل دولته، وأظهر من بره وإكرامه فوق ما كان يظنه أمير المسلمين، وقدم إليه من الهدايا والتحف والذخائر الملوكية ما لم يظنه يوسف عند ملك؛ فكان هذا أول ما أوقع في نفس يوسف التشوف٥ إلى مملكة جزيرة الأندلس.

ثم إنه فصل عن الخضراء بجيوشه قاصدًا شرقي الأندلس، وسأله المعتمد دخول إشبيلية دار ملكه ليستريح فيها أيامًا حتى تزول عنه وعثاء السفر٦، ثم يقصد قصده، فأبى عليه وقال: إنما جئت ناويًا جهاد العدو، فحيثما كان العدو توجهت وجهه.

وكان الأدفنش -لعنه الله- محاصرًا لحصن من حصون المسلمين يعرف بحصن الليط؛ فلما بلغه عبور البربر أقلع عن الحصن راجعًا إلى بلاده, مستنفرًا عساكره ليلقى بهم البربر.

وتوجه يوسف المذكور إلى شرقي الأندلس يقصد ذلك الحصن المحاصر،


١- الطلبة: المطلوب، أو الحاجة.
٢- هو أبو فراس, الحارث بن سعيد بن حمدان الحمداني: أمير, شاعر, فارس. تقلد منبج وحرَّان وأعمالهما، وأسره الروم مدة طويلة. توفي سنة ٣٥٧هـ/٩٦٨م. "يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر، الثعالبي: ٥٧/١، وفيات الأعيان، ابن خلكان: ٥٨/٢". والبيتان في ديوانه: ٨٨.
٣- الرزايا: المصائب.
٤- حذيفة: هو حذيفة بن بدر، والحنفاء: فرسه.
٥- تَشَوَّف للشيء وإليه: تَطلَّع، وتشوف أمرًا: طمح له.
٦- وعثاء السفر: شدته ومشقته.

<<  <   >  >>