للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والإصلاح بين المعتمد على الله وبين رجل كان تغلب على مرسية يقال له: ابن رشيق -قد تقدم ذكره في أخبار ابن عمار- فأصلح بينهما يوسف أمير المسلمين، على أن يخرج له ابن رشيق عن مرسية، ويعوضه المعتمد عن ذلك مالًا جعله له، ويوليه في جهة إشبيلية ولاية؛ فأجابه ابن رشيق إلى ذلك؛ وتسلم المعتمد مرسية وأعمالها.

ولقي يوسف أمير المسلمين ملوك الأندلس الذين كان عليهم طريقه، كصاحب غرناطة، والمعتصم بن صُمادح١ صاحب المَريَّة، وابن عبد العزيز أبو بكر صاحب بَلَنْسية.

وقعة الزَّلَّاقة

ثم إن يوسف المذكور استعرض جنده على حصن الرقة؛ فرأى منهم ما يسره، فقال للمعتمد على الله: هلم ما جئنا له من الجهاد وقصد العدو؛ وجعل يظهر التأفف من الإقامة بجزيرة الأندلس، ويتشوق إلى مراكش، ويصغر قدر الأندلس، ويقول في أكثر أوقاته: كان أمر هذه الجزيرة عندنا عظيمًا قبل أن نراها، فلما رأيناها وقعت دون الوصف! , وهو في ذلك كله يُسر حَسْوًا في ارتغاء٢! فخرج المعتمد بين يديه قاصدًا مدينة طليطلة، واجتمع للمعتمد أيضًا جيش ضخم من أقطار الأندلس.

وانتدب الناس للجهاد من سائر الجهات، وأمد ملوك الجزيرة يوسف والمعتمد بما قدروا عليه من خيل ورجال وسلاح، فتكامل عدد المسلمين من المتطوعة والمرتزقة٣ زُهاء عشرين ألفًا، والتقوا هم والعدو بأول بلاد الروم.

وكان الأدفنش -لعنه الله- قد استنفر الصغير والكبير، ولم يدع في أقاصي مملكته من يقدر على النهوض إلا استنهضه، وجاء يجر الشوك والشجر؛ وإنما كان مقصوده الأعظم قطع تشوف البرابرة عن جزيرة الأندلس، والتهيب عليهم. فأما ملوك الأندلس فلم يكن منهم أحد إلا يؤدي إليه الإتاوة٤، وهم كانوا أحقر في عينه, وأقل من أن يحتفل لهم!.


١- هو محمد بن معن بن محمد بن صمادح التجيبي الأندلسي، الملقب بـ"المعتصم بالله, الواثق بفضل الله". توفي سنة ٤٨٤هـ/١٠٩١م. "الأعلام، الزركلي: ١٠٦/٧".
٢- "يسر حسوًا في ارتغاء": مثل يضرب لمن يريك أنه يعينك، وإنما يجر النفع إلى نفسه. وقال أبو زيد والأصمعي: أصله الرجل يُؤتى باللبن؛ فيظهر أنه يريد الرغوة خاصة، ولا يريد غيرها، فيشربها، وهو في ذلك ينال من اللبن. ومنه قال الكميت الأسدي:
فإني قد رأيت لكم صُدُودًا ... وتَحْسَاءً بعلة مُرتَغينَا
"مجمع الأمثال، الميداني: ٤١٧/٢".
٣- المرتزقة: الذين ينخرطون في الجيش أو القتال طمعًا بالغنيمة، أو لِقَاءَ مبلغ من المال يأخذونه.
٤- الإتاوة: الجزية، أو الخراج.

<<  <   >  >>