للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الهلع١، يقطعون السبل سياحة، ويعبرون النهر سباحة، ويتولجون٢ مجاري الأقذار، ويترامون من شرفات الأسوار، حرصًا على الحياة. والموفون بالعهد، المقيمون على صريح الود، ثابتون؛ إلى أن كان يوم الأحد لإحدى وعشرين ليلة خلت من رجب من السنة المذكورة، وهذا يوم الكائنة العظمى، والطامة الكبرى٣، فيه حُمَّ٤ الأمر الواقع، واتسع الخَرْق٥ على الراقع، ودُخل البلد من واديه، وأصيب حاضره وباديه، بعد أن جد الفريقان في القتال، واجتهدت الفئتان في النزال، وظهر من دفاع المعتمد -رحمه الله- وبأسه، وتراميه على الموت بنفسه، ما لا مزيد عليه، ولا تناهيَ لخَلْقٍ إليه، وفي ذلك يقول المعتمد بعد ما نزل بالعدوة أسيرًا حسيرًا٦: من مجزوء الكامل

لما تماسكت الدموعْ ... وتَنَهْنَه القلب الصَّديعْ٧

قالوا: الخضوع سياسةٌ ... فليبدُ منك لهم خضوعْ

وألذ من طعم الخضو ... ع على فمي السم النَّقيعْ٨

إن تستلب عنى الدُّنَا ... ملكي وتسلمني الجموعْ٩

فالقلب بين ضلوعه ... لم تُسلم القلبَ الضلوعْ

لم أُستلب شرف الطبا ... ع أيُسلب الشرفُ الرفيعْ

قد رُمْتُ يوم نِزالهم ... ألا تُحصِّنني الدروعْ١٠

وبرزت ليس سوى القميـ ... ـص عن الحشا شيء دَفُوعْ

وبذلت نفسي كي تسيـ ... ـل إذا يسيل بها النَّجِيعْ١١

أجلي تأخر، لم يكن ... بهواي ذلي والخشوعْ


١- الهلع: الجزع الشديد.
٢- يتولجون: يدخلون.
٣- الطامة الكبرى: القيامة، قال تعالى: {فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى، يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى,} [النازعات: ٣٤، ٣٥] . والطامة: الداهية تفوق ما سواها.
٤- حُم الأمر: قُضي، وحم الشيء: دنا أو قرُب.
٥- الخرق: الثقب في الثوب وغيره.
٦- الحسير: من لا غطاء على رأسه، ومن الجنود: من لا درع له ولا مِغْفَر.
٧- تنهنه فلان عن الشيء: كف وامتنع. الصديع: المشقوق.
٨- السم النقيع: القاتل.
٩- استلب الشيء: انتزعه قهرًا. أسلم فلانًا: خذله وأهمله وتركه لعدوه وغيره.
١٠- رمتُ: أردتُ وابتغيتُ.
١١- النجيع: دم الجوف.

<<  <   >  >>