ولما استوسق لأبي يعقوب هذا الأمر، لم يزل مقيمًا بمراكش إلى أن كانت سنة ٥٦٧، فبدا له أن يعبر إلى جزيرة الأندلس، مظهرًا قصد غزو الروم، ومبطنًا إتمام تملك الجزيرة والتغلب على ما في يد محمد بن سعد المعروف بـ ابن مردنيش منها. وكان يملك منها ابن سعد المذكور من أول أعمال مرسية إلى آخر ما يملكه المسلمون اليوم من شرقيها -وقد تقدم تلخيص التعريف بمُلْكته إياها ومن أين اتصلت إليه- فجمع أمير المؤمنين أبو يعقوب جموعًا عظيمة من قبائل الموحدين وغيرهم من أصناف الجند، وسار حتى نزل مدينة سبتة، فبني له بها منزل هو باقٍ هناك إلى اليوم. فأقام بها إلى أن تكاملت جموعه، ولحق به من كان تأخر عنه من العساكر؛ ثم عبر البحر وقصد مدينة إشبيلية، فنزلها، وجهز العساكر إلى محمد بن سعد.
وكان أخو أبي يعقوب، عثمان بن عبد المؤمن، والياً على مدينة أغرناطة؛ فكتب إليه أن يقصد بالعساكر إلى مدينة مرسية، دار مملكة محمد بن سعد؛ فخرج عثمان بالعساكر حتى نزل قريباً منها بموضع يدعى الجَلاَّب، وخرج إليه محمد بن سعد في جموع عظيمة أكثرها من الإفرنج؛ لأن ابن سعد كان مستعينًا بهم في حروبه؛ قد اتخذهم أجنادًا له وأنصارًا؛ وذلك حين أحس باختلاف وجوه القواد عليه، وتنكر أكثر الرعية له، فقتل من أولئك القواد الذين اتهمهم جماعة بأنواع من القتل؛ بلغني أن منهم من بنى عليه في حائط وتركه حتى مات جوعًا وعطشًا، إلى غير هذا من ضروب القتل. واستدعى النصارى كما ذكرنا، فجعلهم أجنادًا له، وأقطعهم ما كان أولئك القواد يملكونه، وأخرج كثيرًا من أهل مرسية وأسكن النصارى دورهم ...
فزحف١ كما ذكرنا بجيشه، ومعظمهم من الإفرنج؛ فالتقى هو والموحدون بالموضع المعروف بـ الجلاب، على أربعة أميال من مرسية؛ فانهزم أصحاب محمد بن سعد انهزامًا قبيحًا، وقُتل من أعيان الروم جملة، ودخل محمد بن سعد