للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ما كان عندهم من الصهاريج١، وشربوا وارتووا وتقووا على المسلمين؛ فانصرف عنهم أمير المؤمنين راجعًا إلى إشبيلية، بعد أن هادن الأدفنش -لعنه الله- مدة سبع سنين.

ولم يزل أمير المؤمنين مقيمًا بالأندلس بقية سنة سبعٍ، وثمانٍ، وتسعٍ، إلى أن رجع إلى مراكش في آخر سنة ٥٦٩، وقد ملك الجزيرة بأسرها، ودانت له بجملتها، ولم يخرج عن طاعته شيء منها.

الخارجون على طاعة الموحدين بالمغرب

وفي سنة ٧١ خرج إلى سُوس؛ لحسم خلاف وقع هنالك بين بعض القبائل الذين بـ دَرَن, فتم له ما أراد من إخماد الفتنة, وجمع الكلمة, وإطفاء النائرة٢, وحسم الخلاف.

وفي صدر سنة ٧٣ رام بعض القبيلة المسماة بـ غُمارة مفارقة الجماعة ونزع اليد من الطاعة؛ وكان رأسهم في ذلك الذي إليه يرجعون، وعميدهم الذي عليه يعولون، رجل اسمه سَبُع بن حيان, ووافقه على ذلك أخ له يسمى مَرَزْدَغ. فدعوا إلى الفتنة، واجتمع عليهما خلق كثير. والقبيلة المذكورة لا يكاد يحصرها عدد ولا يحدها حزر لكثرتها؛ مسافة بلادها طولا وعرضًا نحو من اثنتي عشرة مرحلة. فخرج إليهم أمير المؤمنين أبو يعقوب بنفسه؛ فأسلمتهما جموعهما، وتفرق عنهما من كان اجتمع عليهما، وأُخذا قبض اليد؛ فقُتلا صبرًا وصُلبا؛ ثم رجع أمير المؤمنين أبو يعقوب إلى مراكش.

وفي أول سنة ٧٥ خرج أبو يعقوب من مراكش قاصدًا بلاد إفريقية؛ فقصد منها مدينة قفصة؛ وكان قد قام بها رجل اسمه عليّ، يعرف بابن الرَّنْد، وتلقب بـ الناصر لدين النبي؛ فحاصره أبو يعقوب والموحدون إلى أن استنزلوه، وقطعوا دابر الخلاف وحسموا مواده، ورجعوا إلى مراكش.

صلح ملك صِقِلِّيِّة

وفي هذه السَّفرة صالحه ملك صقلية وأرسل إليه بالإتاوة، بعد أن خافه خوفًا شديدًا؛ فقبل منه ما وجه به إليه، وهادنه على أن يحمل إليه في كل سنة مالاً اتفقا عليه. وبلغني أنه اتصلت إليه منه ذخائر لم يكن عند ملك مثلها؛ مما اشتهر منها حجر


١- الصهاريج: أحواض كبيرة للمياه، الواحد: صِهْريج.
٢- النائرة: العداوة والشحناء.

<<  <   >  >>