للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ياقوت يسمى الحافر -جعلوه فيما كللوا به المصحف، لا قيمة له١، على قدر استدارة حافر الفرس، هو في المصحف إلى اليوم- مع أحجار نفيسة.

المصحف العثماني في المغرب

وهذا المصحف الذي ذكرناه، وقع إليهم من نسخ عثمان -رضي الله عنه- من خزائن بني أمية، يحملونه بين أيديهم أنى توجهوا، على ناقة حمراء عليها من الحلي النفيس وثياب الديباج الفاخرة ما يعدل أموالًا طائلة. وقد جعلوا تحته بردعة من الديباج الأخضر يجعلونه عليها، وعن يمينه ويساره عصوان عليهما لواءان أخضران.

وموضع الأسنة منهما ذهب شبه تفاحتين، وخلف الناقة بغل محلًّى أيضًا، عليه مصحف آخر يقال: إنه بخط ابن تومرت، دون مصحف عثمان في الجِرْم٢، محلى بفضة مموهة٣ بالذهب؛ هذا كله بين يدي الخليفة منهم.

ورجع أمير المؤمنين أبو يعقوب إلى مراكش من إفريقية، بعد أن لم يبق بجميع المغرب مختلف عليهم ولا معاند لهم، ودانت له جزيرة الأندلس بأسرها -كما ذكرنا- وكثرت في أيامه الأموال واتسع الخراج.

حسن معاملة الموحدين لمن يغلبونهم من الملوك

وكان -كما ذكرنا- سخيًّا جوادًا؛ بلغني أنه أعطى هلال بن محمد بن سعد المتقدم الذكر، صاحب شرقي الأندلس، اثني عشر ألف دينار في يوم واحد. ولهلال هذا معه أخبار عجيبة، من تقريبه إياه وإحسانه إليه وحبه له؛ أخبرني بعض ولد هلال هذا، أنه سمع أباه يقول: رأيت في المنام في بعض الليالي كأن أمير المؤمنين أبا يعقوب ناولني مفتاحًا؛ فلما أصبحت إذا رسوله يستحثني٤، فركبت وأتيت القصر، فدخلت عليه وسلمت، فاستدناني حتى مست ثيابه، ثم أخرج إلي من تحت بُرْنُسه٥ مفتاحًا على النحو الذي رأيت في المنام، وقال: خذ إليك هذا المفتاح؛ فتهيبتُ أن أسال عن شأن المفتاح؛ فقال لي ابتداء: يا أبا القمر، إن عامل مرسية أرسل إلينا في جملة ما أرسل صندوقًا وجده -زعم- في بعض خزائنكم، لا يدري ما


١- أي: فوق كل قيمة.
٢- الجرم: الحجم.
٣- مموهة: مطلية.
٤- استحثه: أعجله إعجالًا متصلًا، وعلى الشيء: حضه.
٥- البرنس: القلنسوة، أو كل ثوب رأسه منه، ملتزق به.

<<  <   >  >>