للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيه؛ وهذا مفتاحه، ونحن لا ندري ما فيه! فقلت: هلاَّ أمر أمير المؤمنين أن يُفتح بين يديه! فقال: لو أردنا أن يفتح بين أيدينا لم نسلم إليك المفتاح! وأمر فحمل الصندوق إلي ففتحته، فإذا فيه حلى وذخائر من ذخائر أبي ما يساوي أكثر من أربعين ألف دينار.

ولما تجهز أمير المؤمنين إلى غزو الروم، أمر العلماء أن يجمعوا أحاديث في الجهاد تملى١ على الموحدين ليدرسوها -وهكذا جرت عادتهم إلى اليوم- فجمع العلماء ذلك وجاءوا به إليه؛ فكان يمليه على الناس بنفسه؛ فكان كل واحد من الموحدين والسادة يجيء بلوح يكتب فيه الإملاء؛ فجاء هلال هذا المذكور يومًا ولا لوح معه؛ فأخرج القوم ألواحهم؛ فقال له الوزير: أين لوحك يا أبا القمر؟! فخجل وافتتح يعتذر؛ فأخرج له أمير المؤمنين من تحت برنسه لوحًا وناوله إياه، وقال: هذا لوحه! فلما كان من الغد جاء ومعه لوح غير الذي دفعه له أمير المؤمنين؛ فلما نظر إليه قال له: أين لوحك بالأمس يا أبا القمر؟ فقال: خبأته وأوصيت إذا مت أن يجعل بين جلدي وكفني! وأتبع ذلك بكاء حتى أبكى بعض من كان في المجلس؛ فقال أمير المؤمين: هذا المحب الصادق! وأمر له بخيل وأموال وخِلَع، ولبنيه بمثل ذلك.

اتساع الدولة وزيادة الخراج

وكان الذي يسهل عليه بذل الأموال -مع ما جبل عليه من ذلك- سَعَة الخراج ٢ وكثرة الوجوه التي يتحصل منها الأموال.

كان يرتفع إليه خراج إفريقية، وجملته في كل سنة وَقْر٣ مائة وخمسين بغلًا، هذا من إفريقية وحدها، خلا بجاية وأعمالها، وتلمسان وأعمالها، والمغرب -وحد عمل المغرب عندهم الذي يطلقون عليه هذا الاسم، من مدينة تدعى رِبَاط تازا إلى مدينة تدعى مكناسة الزيتون؛ طول هذه المسافة وعرضها نحو من سبع مراحل، وهي أخصب رقعة على الأرض فيما علمت، وأكثرها أنهارًا مطردة، وأشجارًا ملتفة، وزروعًا وأعنابًا- ومدينة سلا وأعمالها، وسبتة وأعمالها -وأعمال سبتة هذه في غاية السعة والضخامة؛ لأن بلاد غمارة كلها ترجع إليها، وهي كما ذكرنا طولًا وعرضًا نحو


١- أملى عليه الحديث ونحوه: قال له فكتب عنه.
٢- الخراج: ما يخرج من غلة الأرض، أو الإتاوة تؤخذ من أموال الناس، أو الجزية التى ضربت على رقاب أهل الذمة.
٣- الوقر: الحِمْل أو الثّقل.

<<  <   >  >>