للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من اثنتي عشرة مرحلة- وجزيرة الأندلس قاطبة؛ أول ذلك آخر بلاد المسلمين مما يتاخم أرض الروم، وآخره أيضًا مما يتاخم أرض الروم من أعمال شلب؛ ومسافة ذلك طولا وعرضًا نحو من أربع وعشرين مرحلة.

هذا كله لا ينازعه إياه أحد ولا يمتنع عليه منه درهم، مضافًا إلى مراكش وأعمالها؛ وأعمال مراكش أيضًا في نهاية من السعة؛ لأن بالقرب منها قبائل ضخمة وبلادًا كثيرة؛ فلم يرتفع لملك من الملوك -أعني ملوك المغرب- قبل أبي يعقوب هذا وبعده، ما ارتفع إليه من الأموال.

وقد بلغني من جهة رجل من أصحابنا كان يتولى بيوت الأموال، قال لي: وُجدت خرائط كثيرة مما كان يرتفع إلى أمير المؤمنين أبي يعقوب بختمها.... قال لي هذا القول في غرة سنة ٦١١.

وفي أيام أبي يعقوب ورد علينا المغرب أول من وردها من الغُزِّ١، وذلك في آخر سنة ٧٤، وما زالوا يكثرون عندنا إلى آخر أيام أبي يوسف.

ولم تزل أيام أبي يعقوب هذا أعيادًا وأعراسًا ومواسم: كثرة خصب، وانتشار أمن، ودُرُور أرزاق٢، واتساع معايش؛ لم ير أهل المغرب أيامًا قط مثلها؛ واستمر هذا صدرًا من إمارة أبي يوسف.

محاولة أبي يعقوب فتح شنترين، ووفاته

ولما كانت سنة ٧٩ تجهز أبو يعقوب للغزو، واستنفر أهل السهول والجبال من المصامدة والعرب وغيرهم، وخرج بجيوشه قاصدًا جزيرة الأندلس؛ فعبر البحر بعساكره كما ذكرنا، وقصد مدينة إشبيلية على عادته؛ إذ هي منزله ومنزل الأمراء من بنيه بالأندلس أيام كونهم بها؛ فأقام بها ريثما أصلح الناس شئونهم وأخذوا أهبتهم؛ ثم خرج يقصد مدينة شنترين -أعادها الله للمسلمين-. وهذه المدينة -أعني شنترين- بمغرب الأندلس؛ وهي من أمنع المدائن -وقد تقدم ذكرها في أخبار الدولة اللمتونية- يملكها وَجهاتها مع بلاد كثيرة هنالك: ملك من ملوك النصارى يعرف بـ ابن الريق -لعنه الله- فخرج أمير المؤمنين -كما ذكرنا- في جيوشه حتى نزل عليها، فضايقها وأخذ في قطع ثمارها وإفساد زروعها وشن الغارات على نواحيها. وكان ابن الريق -لعنه الله- حين سمع بحركة أبي يعقوب إليه وصح عنده أنه


١- الغز: طائفة من مماليك الترك المصريين.
٢- درور أرزاق: يقال: در الرزق درًّا: كثُر.

<<  <   >  >>