للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والصبح قد أهدى لنا كافوره ... لما استرد الليل منا العنبرَا١

وفيها قال يمدح المعتضد:

عَبَّادٌ المُخْضَرُّ نائل كفه ... والجو قد لبس الرداء الأغبرَا٢

قَدَّاح زَنْد المجد لا ينفك من ... نار الوغى إلا إلى نار القِرَى٣

يختار أن يهب الخريدة كاعبًا ... والطِّرْف أجرد والحسام مُجوهرَا٤

وفي هذه القصيدة يقول في وصف وقعة أوقعها المعتضد بالبربر:

شقيتْ بسيفك أمة لم تعتقد ... إلا اليهود وإن تسموا بربرَا

أثمرت رمحك من رءوس كُماتهم ... لما رأيت الغصن يعشق مُثمرَا٥

وخضبت سيفك من دماء نُحورهم ... لما عهدت الحسن يلبس أحمرَا٦

ومن أبيات هذه القصيدة بيت لم أسمع لمتقدم ولا متأخر بمثله، وهو قوله:

السيف أفصح من زيادٍ خطبةً ... في الحرب إن كانت يمينك منبرَا٧

ولما أنشد المعتضد هذه القصيدة استحسنها وأمر له بمال وثياب ومَرِكَب، وأمر أن يكتب في ديوان الشعراء؛ فكان كذلك. ثم تعلق بالمعتمد على الله وهو إذ ذاك شاب، فلم تزل حاله معه تتزيد، ومَوَاتُّ٨ خدمته له تقوى وتتأكد، إلى أن صار ابن عمار ألزق بالمعتمد من شعرات قَصِّه٩، وأدنى إليه من حبل وريده١٠؛ كان المعتمد لا يستغني عنه ساعة من ليل ولا نهار.


١- الكافور: شجر يتخذ منه مادة شفافة، رائحتها عطرية، وطعمها مر، وهو أصناف كثيرة. العنبر: مادة صلبة، لا طعم لها ولا ريح إلا إذا سُحقت أو أُحرقت.
٢- لبس الرداء الأغبر: أي: علاه الغبار، أو اشتد غباره، أو تلون بلون الغبار.
٣- الوغى: الحرب. القرى: ما يقدم للضيف من طعام وشراب.
٤- الخريدة: الفتاة العذراء البكر. الكاعب: الفتاة التي نهد ثديها، أي: ارتفع وبرز. الطرف: العتيق الكريم من الخيل. الأجرد: القليل الشعر. الحسام: السيف. مجوهر: مرصع بالجوهر.
٥- الكماة: جمع الكَمِي: البطل أو الفارس التام السلاح.
٦- خضبت: صبغت، لطخت. النحور: جمع النحر: أعلى الصدر.
٧- زياد: يعني زياد بن أبيه، وهو من خطباء بني أمية المشهورين.
٨- المواتُّ: جمع ماتَّة: الحرمة أو الوسيلة.
٩- القص: عظم الصدر المغروز فيه أطراف الأضلاع من الجانبين.
١٠- حبل الوريد: عرق تزعم العرب أنه من الوتين، وهو الشريان الرئيس الذي يغذي جسم الإنسان بالدم النقي الخارج من القلب. وهو من قوله تعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ,} "ق: ١٦".

<<  <   >  >>