وذلك أن نفس الدعوة إلى الله والنصيحة لعباده، من أكبر مقويات الإيمان وصاحب الدعوة لا بد أن يسعى بنصر هذه الدعوة، ويقيم الأدلة والبراهين على تحقيقها، ويأتي الأمور من أبوابها، ويتوسل إلى الأمور من طرقها. وهذه الأمور من طرق الإيمان وأبوابه.
وأيضا: فإن الجزاء من جنس العمل، فكما سعى إلى تكميل العباد ونصحهم وتوصيتهم بالحق، وصبر على ذلك - لا بد أن يجازيه الله من جنس عمله، ويؤيده بنور منه، وروح وقوة إيمانه، وقوة التوكل. فإن الإيمان وقوة التوكل على الله، يحصل به النصر على الأعداء، من شياطين الإنس، وشياطين الجن. كما قال تعالى:{إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}[سورة النحل: ٩٩] .
وأيضا: فإنه متصد لنصر الحق، ومن تصدى لشيء، فلا بد أن يفتح عليه فيه - من الفتوحات العلمية والإيمانية -. بمقدار صدقه وإخلاصه.
١١- ومن أهم مواد الإيمان ومقوياته: توطين النفس على مقاومات جميع ما ينافي الإيمان من شعب الكفر والنفاق، والفسوق والعصيان.
فإنه كما أنه لا بد في الإيمان من فعل جميع الأسباب المقوية المنمية له، فلا بد مع ذلك - من دفع الموانع والعوائق وهي: الإقلاع عن المعاصي، والتوبة مما يقع منها، وحفظ الجوارح كلها عن المحرمات، ومقاومة فتن الشبهات القادحة في علوم الإيمان، المضعفة له، والشهوات المضعفة لإرادات الإيمان. فإن الإرادات التي أصلها الرغبة في الخير ومحبته، والسعي فيه - لا تتم إلا بترك إرادات ما ينافيها من رغبة النفس في الشر، ومقاومة النفس الأمارة بالسوء.
فمتى حفظ العبد من الوقوع في فتن الشبهات، وفتن الشهوات تم إيمانه، وقوي يقينه، وصار مثل بستان إيمانه:{كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}[سورة البقرة: ٢٦٥] .
ومتى كان الأمر بالعكس - بأن استولت عليه النفس الأمارة بالسوء،