للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبسبب تصدر هؤلاء الجهلة ظهر التلاعب بالأحكام مما يدل على قلة الورع والجرأة على الشرع وأحكامه ومحاولة التلفت من نظامه. وقد أتى ابن عباس بكتاب فيه قضاء علي فمحاه إلا قدر ذراع١، ويذكر الأعمش "ت١٤٨" أنه رأى شيخًا كوفيًّا يحرف قضاء "علي" في المطلقة ثلاثًا ويزعم أن الناس حملوه على ذلك٢.

ولقد أدت كثرة الوضع للحديث في الكوفة إلى إعطاء فكرة سيئة عن العراق كمركز مهم من مراكز العلم والرواية في العالم الإسلامي آنذاك، فتدهورت سمعة العراقيين العلمية في الأمصار المختلفة منذ فترة مبكرة فقالت عائشة رضي الله عنها: "يا أهل العراق أهل الشام خير منكم خرج إليهم نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير فحدثونا بما نعرف، وخرج إليكم نفر قليل من أصحابه فحدثتمونا بما نعرف وبما لا نعرف"٣ وقدم جماعة من أهل العراق إلى عبد الله بن عمرو بن العاص بمكة طالبين إليه أن يحدثهم فقال لهم: إن من أهل العراق قومًا يكذبون ويكذبون ويسخرون٤ وقال الزهري "ت ١١٤هـ": إذا سمعت بالحديث العراقي فأردد به ثم أردد به٥.

وقد كان من نتيجة ذلك أن ضربت السلطة في دمشق العزلة العلمية عليهم فلم تستفهم فيما يستجد من أقضية وأحداث بل اعتمدت على علماء الشام والمدينة فقط يقول الأوزاعي: "كانت الخلفاء بالشام فإذا كانت الحادثة سألوا عنها علماء أهل الشام وأهل المدينة، وكانت أحاديث العراق لا تجاوز جدور بيوتهم، فمتى كان علماء أهل الشام يحملون عن خوارج أهل العراق"٦ وهو يريد بالخوارج الخارجين على السنة ولعله أراد بذلك الخارجين على السلطة


١ مسلم: الصحيح ١/ ١٤.
٢ ابن عدي: الكامل ١/ ١٤٥.
٣ ابن عساكر: التأريخ الكبير ١/ ٦٩.
٤ ابن سعد: الطبقات ٤/ ٢٦٧-٢٦٨.
٥ ابن عساكر: التاريخ الكبير١/ ٦٩.
٦ المصدر السابق ١/ ٧٠.

<<  <   >  >>