للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المختلفة وهو الذي جعل السلطة في دمشق تعتمد على فتاويهم وتسألهم عما يستجد لها من أحداث، في حين شوه كثرة الوضع سمعة العراق ليس في المدينة فقط وإنما في المراكز العلمية الأخرى أيضًا فهذا سفيان ابن عيينة إمام أهل مكة يقول: "من أراد شيئًا لا يعرف حقه من باطله فعليه بأهل العراق"١ وهو يعني اختلاط الصحيح بالموضوع بشكل يصعب تمييزه على طالب العلم، ولكن أساتيذ العلم يحسنون تنقية الحديث فيستلون الصحيح من بين الموضوعات بحنكة وحذق، نعم لقد كان رواج الموضوعات في العراق بنطاق واسع لا تلاه في مكان آخر، وكان للدور السياسي الذي لعبه العراق أثر كبير في ذلك ففيه حدث أعمق تصدع في بناء المجتمع الإسلامي حيث انقسم المسلمون في أعقاب صفين إلى جمهور وخوارج وشيعة، وعلى أرضه كانت أحداث الفتن الدامية والثورات اللاهبة التي اتصلت طيلة الحكم الأموي، فكانت بواعث الوضع قوية لخدمة الواقع السياسي، كما شاركت عوامل الوضع الأخرى التي سيأتي الكلام عنها في إنماء كمية الأحاديث الموضوعة في العراق؟ ولكن هل فقدت الثقة بعلم العراق نهائيًّا؟ هل استغنى العلماء حقًّا عن العراق وهو مركز مهم من مراكز العلم في الدولة الإسلامية؟ وهل يكفي حدوث الوضع في العراق إلى ضرب العزلة العلمية عليه وعدم الأخذ عنه؟

لقد كان نصيب الكوفة من الصحابة كبيرًا إذ هبط فيها ثلاثمائة من أصحاب الشجرة وسبعون من أهل بدر٢ وكان منهم عبد الله بن مسعود أحد كبار فقهاء الصحابة ومحدثيهم، وكان الحسن البصري إذا سئل عن أهل البصرة وأهل الكوفة يبدأ بأهل الكوفة٣.

ويمكن تقويم دور العراق في حمل الرواية ونصيبه من ذلك من قول علي بن المديني: "دار حديث الثقات على ستة: رجلان بالبصرة ورجلان بالكوفة


١ ابن عساكر: التاريخ الكبير١/ ٧٠.
٢ ابن سعد: الطبقات ٦/ ٩.
٣ ابن عدي: الكامل ١/ ٤٥أ.

<<  <   >  >>