سادسا: بأن نفي الحكم عن غير المنصوص لا يفهم من مجرد الإثبات إلا بنقل متواتر من أهل اللغة، أو جار مجرى التواتر كعلمنا بأن قولهم ضروب وقتول وَأمثالهما للتكثير، وإن قولهم عليم وقدير وأقدر للمبالغة. ونقل الآحاد لا يكفي إذ الحكم على اللغة ينزل عليها كلام الله تعالى بقول الآحاد مع جواز الغلط، لا سبيل إليه، ولم يوجد.
سابعا: أهل اللغة فرقوا بين العطف وبين النقض. وقد قالوا أضرب الرجال الطوال والقصار عطف، وليس بنقض. ولو كان قوله أضرب الرجال الطوال يدل على نفي ضرب القصار لكان قوله والقصار نقضا لا عطفا.
ثامنا: الخبر عن ذي الصفة لا يبقي غير الموصوف، فإن الرجل إذا قال: قام أسود، أو خرج، لم يدل على نفيه عن الأبيض. بل هو مسكوت عن الأبيض فكذلك الأمر.
تاسعا: بمفهوم الاسم واللقب. فإن الأسماء موضوعة لتمييز الأجناس والأشخاص كإنسان وزيد. والصفات موضوعة لتمييز النعوت والأحوال كطويل وقصير، وقائم وقاعد. فإذا كان تقييد الخطاب بالاسم لا يدل على نفيه عما عداه، فإنه إذا قيل في الإبل الزكاة لا يدل ذلك على نفيها عن البقر. وجب أن يكون التقييد بالصفات بمثابته.
عاشرا: كان دليل الخطاب يقتضي الحكم لكان ذلك مستنبطا من اللفظ، وما استنبط من اللفظ لا يجوز تخصيصه كالعلة.
حادي عشر: ما روي عن عروة بن الزبير رضي الله عنه أنه قال: "قلت لعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، وأنا يومئذ حديث السن. أرأيت قول الله تعالى:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} ١ فما أرى على أحد شيئا ألا يطوف بهما". قالت عائشة رضي الله عنها:"كلا يا ابن أخي لو كان كما قلت لكانت "فلا جناح عليه ألا يطوف بهما". فهذه عائشة وهي من أهل اللسان لم تحكم للمسكوت عنه ضد حكم المنطوق به، واعتذر عروة رضي الله عنه ما اعتقد ذلك بحداثة سنه، وأنه لم يكن فقه بعد. وإذا كان هذا طريقه اللغة. وجب أن يرجع إلى قول عائشة رضي الله عنها. والله أعلم وأحكم.
ثاني عشر: لو دل الخطاب المقيد بالصفة على نفي ما عداه لدل عليه إما بصريحه ولفظه، وإما بفائدته ومعناه. وليس يدل علية من كلا الوجهين. فإذا ليس يدل عليه. أما صريحه فلأنه ليس فيه ذكير لما عدا الصفة. ألا ترى أن قول القائل "أدوا عن الغنم السائمة الزكاة" ليس فيه ذكر للمعلومة أصلا.