ومثل ذلك يقال عن عدد الوعاظ فالمأهلون منهم قلة محدودة جدا، وبجانبهم أعداد هائلة ممن يمارسون الوعظ هواية أو من خلال جمعيات تعد لهم مستويات من الدراسة تتيح لهم حد أدنى من المعرفة الدينية الضرورية التي قد تكفي لمواجهة حاجات البيئات المحدودة الفكرة والثقافة، ولكنها لا تفي بحاجة الإنسان الذي نال قسطا كبيرا من ثقافة العصر، وتعرض لمؤثراته الفكرية والحضارية..إن ساحة الدعوة الإسلامية داخل البلاد الإسلامية نفسها خالية ـ إلا نسبة محدودة منها ـ من دعاة حقيقين، قادرين على حمل أمانتها والوفاء بتبعاتها...
فإذا ألقينا ببصرنا على ساحة الدعوة خارج بلاد المسلمين، وحيث يوجد ملايين البشر مازالوا على فطرتهم، أوشابتهم وثنية انتقلت إليهم بالعدوى، وحيث يوجد ملايين من أصحاب الديانات الأخرى يعانون القلق، ويبحثون عن معتقد تطمئن إليه نفوسهم التي يرهقها الآن أن تتقبل عقائد ومذاهب يصعب على عقل أضاءه العلم وصقلته الحضارة أن يتقبلها.
هؤلاء حيارى يتلمسون الضوء في ظلمات بعضها فوق بعض، ولو أن دعوة الإسلام بلغتهم في خطاب يفهمونه وأسلوب حكيم يفتح لها الطريق الصحيح إلى عقولهم وضمائرهم لكان لهم من الإٍسلام موقف آخر، ولغدوا جنودا مخلصين، يستطيعون ويملكون من وسائل نشر الإسلام بين أقوامهم ما لا نملكه نحن في بلاد المسلمين.
إن الإسلام ليس ملكا لنا، وإنما هو أمانة الله في أعناقنا، ومن الوفاء بالأمانة أن تودى إلى من هو أقدر على القيام بها والحفاظ عليها، وهو مغزى قول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حجة الوداع ـ " ليبلغ الشاهد الغائب " ـ رواه البخاري ـ وقوله ـ " رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه " ـ رواه الترمذي وحسنه ـ
لقد انتشر الإسلام في إفريقيا وآسيا على أيدي التجار المسلمين بأكثر مما انتشر على أيدي الدعاة الرسميين، ذلك أن)) الإحتساب ((غير)) الإحتراف ((وليس من قبيل المصادفة أن يكون هذا القول الكريم {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً} شعارا مشتركا بين رسل الله أجمعين.
نحن بحاجة إلى تأمل المغزى العميق وراء هذا الشعار لنصل إلى معادلة صحيحة نحل بها مشكلة الدعوة العويصة في عالمنا وهي كيف نوفق بين كون الدعاة غاية يجب التجرد لها والتضحية