في مطالع البعثة النبوية كان على الداعي الأول (صلى الله عليه وسلم) أن يؤمن بنفسه أولا نبيا مختارا من قبل الله، حتى إذا تضلع من اليقين بهذه الحقيقة جاءه الأمر الأعلى بدعوة الآخرين من عشيرته الأقربين، ومن ثم، وبعد أن أخذ الإيمان مستقره في صدور الصفوة من هؤلاء، استقبلت الدعوة مرحلتها العالمية فراحت تنتشر مع الشمس في كل اتجاه من دنيا الناس، تحملها نفوس صفت التربية الربانية مقوماتها من عوامل الضعف والهبوط، فكانت بنفسها صورة نموذجية للخير الذي تدعوا البشر إليه.
تلك حقيقة يعرفها كل واع لتاريخ الدعوة الإسلامية، ولا مندوحة عن اعتبارها المنطلق الأول لكل تحرك في هذه السبيل: وعي الدعاة لما يريدون دعوة الناس إليه، ثم إيمان يسترخص كل شيء دونه وفي سبيله، ثم تميز بصفاته الواضحة عن كل ما عداه من الدعوات والمذاهب، فلا مساومة ولا مشاركة، ولا أنصاف حلول، وإنما هو تصميم قاطع على التحقق بقوله تعالى:{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ..} .
وعلى هذا فلا مناص للعاملين فب نطاق الدعوة من تحديد نقطة البدء في منطلقهم، وهي تكوين أنفسهم، وتنظيم طاقاتهم على روح الدعوة التي آمنوا بها، حتى لا يلحظ الآخرون أي تناقض بين ما يقولون وما يفعلون. فإذا كان الداعي فردا من المثقفين كانت عدته الأولى بالحق الذي يريد اشاعته، وإذا كان الداعي دولة أو حاكما فالتبعة أكبر وأثقل، لأنها تقتضيه أن يكون الحارس الأمين لمبادئ دعوته، يستلهم أحكامها في كل صغيرة وكبيرة من عمله، فلا يحيد عنها في قضاء أو تدبير أو تنفيد.. ويكون في سلوكه الشخصي صورة حية من العدالة والنزاهة، اللتين يتميز بهما الحاكم المسلم، فيستحق أن يكون