وغأني بهؤلاء الإخوة المعنيين بشؤون الدعوة، وقد ذكرهم حديثي بما لم ينسوه، يتساءلون في أعماقهم: ذلك هو الحق.. ولكن ما السبيل إلى تحقيق واجبنا نحو الدعوة في هذه المناطق المغلقة بوجهها!..
وأقر سلفا بأني لست أقل منهم حيرة بازاء هذه المشكلة.. فأنا أعلم ما يعلمون من الأخطار الهائلة التي تنتظر كل مامر يجرؤ على اقتحام هذا الميدان.. إن هناك القاب الخيانة، واختلاف التهم، وتأليب الغوغاء، وحرب التجويع والحرمان، ثم ألوان التعذيب التي يعجز عن تصورها الشيطان والداعي مهما يبلغ من الإيمان لا يعدو أنه إنسان، يعتريه الخوف، كما اعترى نبي الله موسى أمام ثعابين السحرة، وكما اعترى عمارا تحت سياط الكفرة.. وهو يعلم أن كلمة الحق قد تسوقه إلى الشنق، أو تقوده إلى السجون التي لا مخرج منها، والتي دون أهوالها المنون.
فكيف يؤدي هذا الداعي رسالته.. وكيف ينقل خطواته في هذه الظلمات التي بعضها فوق بعض! مرة ثانية أقر بالحيرة.
ومع ذلك فلابد من العمل إعذاراً إلى الله، ولو أن كل شيء هناك يدعو إلى اليأس، فالغيب بيد الله، وهو القائل:{لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ}