منذ انبثق فجر الإسلام بدأت معاركه مع الظلمات الجاهلية، فما تخمد نار احداها حتى تستعر أخرى وقد استطاعت أن تمد ألسنتها في الكثير من الأحايين إلى قلب حصونه، فتدمر وتشوه، وتزلزل أعصاب الكثيرين من ضعفاء الوعي، فتؤلف منهم عصائب وفرقا، ما زالت بهم حتى جعلت منهم أشد أعداء الإسلام نكاية له، وتصميما على استئصاله.. وفي عصرنا الراهن نماذج رهيبة من هذه المعارك، اختلفت أدواتها، وتباينت أساليبها، ولكنها تلتقي جميعها على الغاية الواحدة التي هي تدمير الإسلام.
ومعلوم لكل ذي لب أن خصوم الإسلام في هذه المرحلة الرهيبة قد حققوا غير قليل من النجاح في صميم العالم الإسلامي، إذاستطاعوا بوسائلهم المدروسة البالغة الدقة أن يتسللوا إلى كل معقل منه، فيعملوا فيه هدما وافسادا.
لقد أخذوا على المسلمين سبل الحياة جميعا، فأفقدوهم الثقة في أنفسهم ومقوماتهم أولا، ثم أقنعوا أولى السلطة منهم ـ إلا من رحم الله ـ ألاّ منفذ إلى أي تقدم إلا عن طريقهم وبتوجيههم.. وهكذا أصبح المسلمون في كل مكان، وبأيحاء هذا الإيهام، رمز الأمة التي قدر لها أن تكون نموذج التخلف في قافلة البشرية، بعد أن كانت رائدة الركب الحضاري، لاعمل لها إلا حراسة الخامات التي أنعم الله بها عليها لتقدمها إلى خصومها بأرخص الأثمان، كي يردوها إليها مصنعة بأضعاف أثمانها.
وعلى دأب المستضعفين في الإعجاب بالمستضعفين أقبل المسلمون على تعقب آثار هؤلاء دون تفريق بين الضار والنافع، والصحيح والفاسد، بل لقد أسرفوا في الجانب الادني من شؤنهم، حتى أوشكوا أن يتميزوا به.. فطرز أبنيتهم صورة مكرورة لمنازلهم القائمة على النظام الوثني،