للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأول المثالي الصحابة رضي الله عنهم بفضل التربية النبوية الدقيقة الشاملة الجمع بين الدين المتين الذي لا مغمز فيه، والإيمان القوي الذي لا يعتريه وهن، وبين الوعي الناضج الكامل فكانوا لا يخدعون ولا ينخدعون، ولا يسيغون شيأ ينافي الإسلام وينافي العقل، والذي يضرهم ويجني عليهم أو يوقعهم في خطر أو تهلكة، قد بلغوا من الرشد واستكملوا الحصافة والنضج، فلا يؤخذون على غرة ولا يقعون في شرك ينصبه العدو الماكر، يخطئون ولا يصرون، ولا تتكر منهم غلطات وتورطات، وقد جاء في حديث صحيح " لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين " بخلاف الشعوب الفاقدة الوعي فهي تلدغ مرة بعد مرة، وذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخذهم بتربية وتعاليم أمنوا بها عن الوقوع في الشباك، وامتنعوا بها عن قبول ما لا يتفق مع تعاليم الإسلام, وآدابه والفطر السليمة والعقول المستقيمة، فكان مجتمعا نمودجيا مثاليا في كل شيء.

أعرض لكم ـ على سبيل المثال ـ مثالين من هذا العقل الحصيف والوعي الكامل:

الأول أن النبي صلى الله عليه وسلم قال مرة "أنصر أخاك ظالما أو مظلوما " وهو مثل جاهلي قديم وعرف من أعراف العرب الأولين، تمسك به العرب في جاهليتهم كما قال العلامة الحافظ ابن حجر في شرح هذا الحديث في كتابه الجليل فتح الباري فكان المتوقع المعقول أن يتلقاه الصحابة ـ وقد نشأووا في الجاهلية وعاشوا في الجزيرة ـ إما بالقبول وإما بالسكوت.

وقد صدر هذا الكلام من النبي المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} . وقد عرف حبهم لنبيهم صلى الله عليه وسلم وفداؤهم له بالنفس والنفيس، وكان حبا لا نظير له في تاريخ الديانات والرسالات، وفي تاريخ الحب والطاعة العالمي، وكان تفسيرا للحديث المشهور "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من أهله وولده والناس أجمعين" وجاء في بعض الروايات من نفسه ولكن كل ذلك لم يمنعهم كم التساؤل أو الإستيضاح فإن ظاهر الكلام كان ينافي ما فهموه من تعليم الإسلام وما شاهدوه من تربية الرسول وأخلاقه، وما آمنوا به من مبدأ الإنصاف والمساواة وقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} وقوله تعالى {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا

<<  <   >  >>