للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لكل قائل أن يقول ما شاء ويدعو إلى ما شاء، وهذه فتنة لا تساويها فتنة وخطر لا يكلفئه خطر.

إن مفاهيم هذه الكلمات معينة على اتساع بلاغتها وعمقها وكثرة معانيها وإن الأمة توارثت هذه المفاهيم المعينة كما توارثت أشكال الصلاة والصوم والحج ونظمها الظاهرة، وتناقلتها وحافظت عليها من غير أقل انقطاع أو أقصر فترة، وإنه معنى قوله تعالى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلامَ دِيناً} وهو معنى الحديث المشهور الذي صح معناه "لا تجتمع أمتي على الضلالة" ١ وقد أثبت شيخ الإسلام ابن تيمية أن سنة واحدة من السنن الكثيرة لم ترفع من هذه الأمة بشكل كلي، وإنها لا تزال طائفة من أمتي ظاهرة على الحق.

والكلمات هي الوسيلة الوحيدة لنقل المعاني والحقائق من جيل إلى جيل ومن عصر إلى عصر، ومن إنسان إلى إنسان، فإذا وقع الشك في مدلول هذه الكلمات ومصداقها، أو صار التلاعب بها هيناً اضطربت دعائم الدين وتزلزلت أركانه، وهذا يعم التاريخ والشعر والأدب، لذلك كانت الفوضى اللغوية Liguistic Anarchy أشد خطراً وأكثر ضراراً من الفوضى السياسية Political Anarchy ٢ وليست قضية الأسماء والمصطلحات من البساطة بالمكان الذي يتصوره كثير من الناس، فإنها تؤثر في النفس تأثيراً خاصاً، وتثير معاني وأحاسيس ذات صلة بالماضي وذات صلة بالعقائد والأعراف أحياناً، ولذلك كره رسول لله صلى الله عليه وسلم أن يقال)) العتمة ((مكان العشاء، ويوم العروبة بدل الجمعة، واستبدال كلمة يثرب بمدينة الرسول أو بالمدينة، ولها أمثلة أخرى في الشريعة الإسلامية.

وكذلك أحذركم أيها الإخوان مما لوحظ من بعض الكتاب من الضغط على


١ ـ انظر البحث في هذا الحديث في كتابنا "النبوة والأنبياء ".
٢ ـ ومن أمثلة هذا التلاعب بالمصطلحات الدينية، أن أستاذا في إحدى جامعات الهند الكبرى، وهو يدرس اللغة العربية وآدابها، ألقى محاضرة في دورة مؤتمر الدراسات الإسلامية الأخيرة قال فيها أن المراد بكلمة الصلاة حيث وردت في القرآن مطلقة الحكومة المحلية أو الإقليمية والمراد بالصلاة الوسطى الحكومة المركزية أو الخلافة العامة وكان المقال باللغة العربية، وقد رددت عليه في حينه وقلت في تعليقي عليه أنه تلاعب بالقرآن وبالعقل وتمهيد لفوضى لغوية فكرية، وفتح الباب للإلحاد على مصراعيه، ونالت هذه الكلمة رضا المستمعين وتلقوها بالقبول والاستحسان..

<<  <   >  >>