للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وذهب القشيري يحمل آيات سورة المائدة أفكاره الصوفية؛ فقال١: "طلب المائدة المسيح عليه السلام لتسكن قلوبهم بما يشاهدونه من عظيم الآية وعجيب المعجزة؛ فعذروا وأجيبوا إليها، إذ كان مرادهم حصول اليقين وزيادة البصيرة.

ويقال كل يطلب سؤله على حسب ضرورته وحالته، فمنهم من كان سكونه في مائدة من الطعام يجدها، ومنهم من يكون سكونه في مائدة من الموارد يردها، وعزيز منهم من يجد الفناء٢ عن برهان يتأمله، أو بيان دليل يطلبه.

وشتان بين أمة طلب لهم نبيهم سكونا بإنزال مائدة عليهم، وبين أمة بدأهم الله سبحانه بإنزال السكينة عليهم، من غير سؤال أحد قال الله تعالى: {هُوَ الذِي أَنْزَل السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ} (٤: الفتح) ، وفرق بين مَن زيادة إيمانه بآياته التي تتلى عليهم، وبين مَن يكون سكونهم إلى كرامات وعطايا تباح لهم.

فلما انتهى القشيري إلى قوله جل ذكره: {قَال اللهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَليْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ العَالمِينَ} (١١٥: المائدة) : أجابه إلى سؤاله٣ لهم، ولكن توعدهم بأليم العقاب لو خالفوا بعده، ليعلم السالكون أن المراد إذا حصل، وأن الكرامة إذا تحققت، فالخطر أشد، والحال من الآفة أقرب، وكلما كانت الرتبة أعلى، كانت الآفة أخفى، ومحن الأكابر إذا حلت جلت"٤ ا?.

<<  <   >  >>