للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هل تتكلم جهنم:

قال رب العزة جل جلاله: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَل مِنْ مَزِيدٍ} (٣٠: ق) .

أفاد ظاهر هذه الآية الكريمة أن جهنم خوطبت وسئلت، وأنها أجابت وقالت: هل من مزيد.

فمن المفسرين من آمن بظاهر ما دلت عليه الآية، ووكل ما وراء ذلك إلى علام الغيوب، ومنهم من طوحت به طوائح التأويلات فهام معها..

فأما أهل الإثبات فهذه آراؤهم:

١- رأي ابن كثير:

قال عند تفسيره لهذه الآية الكريمة١: "يخبر تعالى أنه يقول لجهنم يوم القيامة هل امتلأت؟ وذلك لأنه تبارك وتعالى وعدها أن سيملؤها من الجنة والناس أجمعين، فهو سبحانه وتعالى يأمر بمن يأمر به إليها، ويلقى٢ وهي تقول هل من مزيد: أي هل بقي شيء تزيدوني؟ هذا هو الظاهر من سياق الآية، وعليه تدل الأحاديث".

ثم ذكر ابن كثير من صحاح الأحاديث ما يؤيد رأيه، ومنها: ما رواه البخاري٣ عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يلقى في النار وتقول هل من مزيد؟ حتى يضع قدمه فيها فتقول قط قط"، وما رواه الإمام أحمد عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول هل من مزيد؟ حتى يضع رب العزة قدمه فيها؛ فينزوي بعضها إلى بعض، وتقول قط قط، وعزتك وكرمك، ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله لها خلقا آخر فيسكنهم الله تعالى في فضول الجنة"، ثم رواه مسلم من حديث قتادة بنحوه، وروى ابن كثير عن مجاهد أنه قال: "لا يزال يقذف فيها حتى تقول قد امتلأت، وتقول هل من مزيد"، وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم نحو هذا.

فعند هؤلاء أن قوله تعالى: {هَلِ امْتَلأْتِ} ؟ إنما هو بعد ما يضع فيها قدمه فتنزوي، وتقول حينئذ هل بقي في مزيد يسع شيئا؟؛ قال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما: "وذلك حين لا يبقى موضع يسع إبرة والله أعلم" ا?.

٢- رأي القرطبي:

وأما القرطبي فقد عرض لرأي المثبتين ولمقالة المؤولين، ثم كان للمثبتين ظهيرا.

بيان ذلك أنه قال٤: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ} لما سبق من وعده إياها أنه


١ انظر تفسير القرآن العظيم لابن كثير ج ٤ ص ٢٢٦، ٢٢٧.
٢ أي ويلقى فيها.
٣ انظر كتاب التفسير من البخاري ج ٣ ص ١٣٧ ط الحلبي وفي نفس الصفحة رواية ثانية وهي (.. فيضع الرب تبارك وتعالى قدمه) ورواية ثالثة (فلا تمتلئ حتى يضع رجاه) .
٤ انظر تفسير القرطبي ج ١٧ ص ١٨، ١٩.

<<  <   >  >>