للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صدوره من موحد، ولذا إذا سئل العامي عن صحة معتقده بذلك فيجيبك بأن الله هو الفعال وحده لا شريك له، وإنما الطلب من هؤلاء الأكابر عند الله تعالى المقربين لديه على سبيل التوسط بحصول المقصود … ولا يصح لنا أن نمنعهم من التوسل والاستغاثة مطلقاً» (١).

[الوجه الثاني: بيان بطلان هذه الشبهة والجواب عليها]

قام شيخ الإسلام -رحمه الله- بتفنيد هذه الشبهة وبيان فسادها من وجوه شتى كما سيتضح ذلك عند نقل كلامه رحمه الله، ويحسن بنا قبل عرض كلامه رحمه الله أن نبين أن هذه الأقوال وتعليلاتها هي عين تعليلات المشركين الأوائل، وأن ما ذكره هؤلاء وغيرهم هو جنس شرك المشركين، وكفى بهذا دليلاً وبرهاناً على بطلانها وفسادها، وذلك أن المشركين لم يكونوا يعتقدوا في آلهتهم خلقاً ولا إيجاداً، وإنما كانوا يتخذونها وسائط يتقربون بها إلى الله ويستشفعون بها كما أخبر الله -عز وجل- عن قولهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزُّمَر:٣]، وقال سبحانه مخبراً لنا عنهم وعن حقيقة شركهم ودعائهم واستغاثتهم بغير الله: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس:١٨]

والعبرة بالحقائق لا بالألفاظ والتسميات، فتسمية الشرك توسلاً لا تُغَيّر من حقيقته، وكذلك تسميته استشفاعاً أو تقرباً أو تزلفاً أو تبركاً لا يغير من حقيقة الأمر شيئًا، قال سبحانه: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} [الأحقاف:٥]، فسمى الله دعاءهم لغيره عبادة وإن كانوا هم يعتقدونه زلفى أو شفاعة أو قربة إلى الله أو توسلاً.

وقال تعالى: {إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر:١٤] فسماه الله شركاً.


(١) النقول الشرعية (ص ١٧، ١٠٨) باختصار، نقلا عن دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب (ص ٣٢٥).

<<  <   >  >>