للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الخلفاء العبيديين كانوا زنادقة ملحدين، خارجين عن الشرائع والدين، وأنهم قد جمعوا من أصناف الكفر والضلال والزندقة، ما لم يجتمع لدى اليهود والنصارى وغيرهم من الفرق المارقة، ومع وضوح أمرهم، واتضاح حالهم، فإن هؤلاء القوم الذين ناظرهم شيخ الإسلام كانوا على نقيض هذا المقال، حيث كانوا يعتقدون أن العبيديين من أولياء الله، وأنهم من أهل الصلاح والولاية، والفضل والديانة، حتى إنهم تعجبوا من شيخ الإسلام عندما بين لهم حقيقة هؤلاء القوم، وما هم عليه من كفر ونفاق وزندقة.

وكان أصل شبهة هؤلاء القوم التي دخل عليهم منها هذا الاعتقاد الفاسد، والظن الخائب -غير الصائب-؛ هو أنهم وجدوا أن الخيل إذا أصابها المغل في بطونها، وذهبوا بها إلى قبور هؤلاء العبيديين، شفيت مما كان فيها من مرض وبلاء، وتعافت وزال عنها ما كان فيها من أذى، فظنوا أن حدوث هذا الأمر عند قبور هؤلاء؛ دليل على صلاحهم وولايتهم، وفضلهم وديانتهم، وأنه كرامة لهم، وجعلوا ما حدث دليلاً على هذا وحجة عليه (١).

فقلب عليهم شيخ الإسلام الحجة، وأزال الشبهة، وبين المحجة، كما سيتضح في الجواب على هذه الشبهة.

[الوجه الثاني: الجواب على هذه الشبهة]

قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: «نفس الدليل الذي يحتج به المبطل هو بعينه إذا أعطى حقه، وتميز ما فيه من حق وباطل، وبين ما يدل عليه؛ تبين أنه يدل على فساد قول المبطل المحتج به في نفس ما احتج به عليه» (٢)، وقال ابن القيم -رحمه الله-: «وقال لي -شيخ الإسلام-: أنا ألتزم أنه لا يحتج مبطل بآية أو حديث صحيح على باطله إلا وفي ذلك الدليل ما يدل على نقيض قوله» (٣)، وهذا كان من عجائب صنيع


(١) انظر: الرد على البكري (٢/ ٥٨٧ - ٥٩٠) والفتاوى الكبرى (٣/ ٤٩٩ - ٥٠٠).
(٢) مجموع الفتاوى (٦/ ٢٨٨).
(٣) حادي الأرواح (ص:٢٩٣).

<<  <   >  >>