للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شيخ الإِسلام -رحمه الله- فإنه كان لا يترك للمخاصم حجة إلا فندها، بل بلغت فيه القوة في الحجة، أن يقلب دليل الخصم دليلا عليه، كما كان صنيعه في هذه المناظرة، فقد بين لهم شيخ الإسلام -رحمه الله- أن هذا الدليل الذي استدللتم به على ولاية القوم وصلاحهم، هو في الحقيقة دليل على كفرهم وزندقتهم، وعذاب الله لهم في قبورهم.

وذلك أنه قد ثبت بالسنة الصحيحة أن الكفار يعذبون ويعاقبون في قبورهم، وأن البهائم تسمع أصواتهم وهم يعذبون، ومن ذلك ما جاء في الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها-، قالت: دخلت علي عجوزان من عجز يهود المدينة، فقالتا لي: إن أهل القبور يعذبون في قبورهم، فكذبتهما، ولم أُنْعِمْ (١) أن أصدقهما، فخرجتا، ودخل علي النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقلت له: يا رسول الله، إن عجوزين، وذكرت له، فقال: (صدقتا، إنهم يعذبون عذاباً تسمعه البهائم كلها) (٢)، وعن أم مبشر -رضي الله عنها- (٣) قالت: دخل علي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأنا في حائط من حوائط بني النجار، فيه قبور منهم، قد ماتوا في الجاهلية، فسمعهم وهم يعذبون، فخرج وهو يقول: (استعيذوا بالله من عذاب القبر)، قالت: قلت: يا رسول الله، وإنهم ليعذبون في قبورهم؟ قال: (نعم، عذاباً تسمعه البهائم) (٤).

فإذا ثبت هذا، فإن البهائم إذا سمعت أصوات المعذبين فزعت، وبسبب الرعب الذي يحصل لها تحدث لها حرارة؛ تذهب بالمغل الذي يحصل لها بسبب البرد، وتنحل بطونها فتروث فيذهب المغل الذي حصل لها، فإن الفزع يقتضي


(١) ولم أنعم: أي لم تطب نفسي بذلك لظهور كذب اليهود وافترائهم. حاشية السندي على سنن النسائي (٤/ ١٠٥)
(٢) رواه البخاري كتاب: الدعوات. باب: التعوذ من عذاب القبر. (٦٣٦٦)، ومسلم كتاب المساجد ومواضع الصلاة (٥٨٦).
(٣) هي أم أنس بنت البراء بن معرور وقيل: أم مبشر، أو بشر، قيل: اسمها خليدة ولم يصح، وقيل السّلاف. انظر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب (٤/ ١٩٢٦) الإصابة في تمييز الصحابة (٨/ ٣٦٤).
(٤) رواه أحمد (٢٧٠٤٤). وابن حبان (٣١٢٥)، وصححه الألباني في الصحيحة (١٤٤٥).

<<  <   >  >>