للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يزعمون، وعلى هذا فقتال التتار للمسلمين هو في الحقيقة قتال الله نفسه للمسلمين، وليس قتالاً للتتار -تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا-. قال شيخ الإسلام: «فإن أصل هذا القول أن الله لما كان خالقا لأفعال العباد كان الفعل لهم في الصورة وله في المعنى» (١). وقال رحمه الله: «وقد كثر في كثير من المنتسبين إلى المشيخة والتصوف شهود القدر فقط من غير شهود الأمر والنهي والاستناد إليه في ترك المأمور وفعل المحظور وهذا أعظم الضلال» (٢).

[الوجه الثاني: الجواب على هذه الشبهة]

أجاب شيخ الإسلام -رحمه الله- عن هذه الشبهة من وجوه متعددة، وأهمها ما يلي:

أولاً: أن هؤلاء التتار هم في الحقيقة من شر خلق الله، وأنهم عباد الله خرجوا عن دينه -سبحانه-، فكيف يكونون هم الله؟

ومضمون هذ الجواب رد القول من أصله وإبطاله، وإذا كان باطلاً فكيف يصح أن يحتج به على الامتناع عن قتال هؤلاء.

قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: «ومن قال إن الرب عز وجل يُنزل المخلوق منزلة نفسه في الأفعال أو ينزل هو منزلة المخلوق في الأفعال والأوصاف فقد زعم أن الله سبحانه يجعل له نداً وأنه يقيم المخلوق مقامه في الخلق والرزق والإحياء والإماتة وإجابة الدعاء وكونه معبوداً، وأنه يقوم مقام العبد في الصلاة والصيام والطواف وغير ذلك من أفعال العباد تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، قال تعالى: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [النحل:١٧]» (٣).

ثانياً: على فرض التسليم لهذا الشيخ بأن قتال التتار هو في الحقيقة قتال لله؛ لأن الذي يفعل في الحقيقة هو الله، والخلق إنما تضاف لهم الأفعال مجازاً،


(١) الرد على البكري (١/ ٣٦٥).
(٢) مجموع الفتاوى (٢/ ٣٢٨).
(٣) الرد على البكري (١/ ٣١٤).

<<  <   >  >>