للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بَلغهُ مما ظنهُ حقاً من مبلغه، والله يعلم أنه بخلافه، وقد أحللت كل واحد مما كان بيني وبينه، إلا من كان عدواً لله ورسوله» (١).

وأختم بما ذكره رحمه الله في رسالة عظيمة أرسلها لبعضهم من مصر إلى دمشق وقد أوذي في الله أيما إيذاء، كان مما قال فيها: «فلا أحب أن يُنتصر من أحدٍ بسببِ كذِبهِ علي أو ظلمه وعدوانه فإني قد أحللت كل مسلم وأنا أحب الخير لكل المسلمين وأريد بكل مؤمن من الخير ما أحبه لنفسي والذين كذبوا وظلموا فهم في حل من جهتي، وأما ما يتعلق بحقوق الله فإن تابوا تاب الله عليهم وإلا فحكم الله نافذ فيهم» (٢).

سابعاً: صبره وانشراح صدره:

ذكر أهل العلم أن للصبر على المحن والمصائب والابتلاءات درجات ومقامات، وأعظمها مقام الحمد والشكر على البلاء، وعندما نتحدث عن صبر شيخ الإسلام فإننا لا نتحدث عن حبسه لنفسه عن السخط وحسب، فقد فاق شيخ الإسلام هذا المقام بمراحل، فكان مع صبره على البلاء راضيًا بالقضاء وحامدًا شاكرًا في الشدة والرخاء ممتنًا لله عارفًا بفضله ونعمته ذاكرًا له على كل حال، قال ابن القيم -رحمه الله-: «سمعت شيخنا شيخ الإِسلام ابن تَيْمِيَّة قدس الله روحه، ونور ضريحه، يقول: إِنَّ في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة.

قال: وقال لي مرة: ما يصنع أعدائي بي؟ أَنا جنتي وبستاني في صدري، أين رحت فهي معي، لا تفارقني، أَنا حبسي خَلْوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة.

وكان في حبسه في القلعة يقول: لو بذلت ملء هذه القلعة ذهبًا ما عدل عندي شكر هذه النعمة - أَو قال: ما جزيتهم على ما تسببوا لي فيه من الخير - ونحو هذا …


(١) الأعلام العلية (ص: ٨٢).
(٢) العقود الدرية من مناقب شيخ الإسلام أحمد بن تيمية (ص: ٢٨١).

<<  <   >  >>