للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوجه الثالث: الرد على إضافتهم ابتداء القرآن إلى جبريل أو محمد عليهما الصلاة والسلام (١):

أنكر بعض المخالفين على شيخ الإسلام عبارته في القرآن "منه بدأ وإليه يعود"؛ وذلك لأنهم يرون عدم ابتدائه من الله جل وجلاله؛ بل يضيفونه لمن بلغه عنه أو أداه، وهذا القول باطل من وجوه:

أولاً: أن قولهم هذا مخالف لصريح ما دلت عليه النصوص كقوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ} [النمل:٦]، وقوله: {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي} [السجدة:١٣]، وقوله: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} [هود:١]، وغيرها من النصوص الكثيرة التي تدل على هذا وتبرهن عليه (٢).

ثانياً: أن الكلام إنما يضاف حقيقة إلى من قاله مبتدئاً لا إلى من قاله مبلغاً ومؤدياً، "فالرجل إذا بلغ قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) (٣)، كان قد بلغ كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- بحركاته، وأصواته، وكذا إذا أنشد شعر شاعر كامرئ القيس (٤) أو غيره، فإذا قال:

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل (٥)


(١) انظر: المواقف (ص:٢٩٢ - ٢٩٤).
(٢) انظر: جامع الرسائل والمسائل (١/ ١٦٢).
(٣) رواه البخاري كتاب بدء الوحي (١)، ومسلم كتاب الإمارة (١٩٠٧).
(٤) هو امرؤ القيس بن حجر بن الحارث الكندي، من بني آكل المرار، من فحول شعراء العرب وأشهرهم على الإطلاق، وأمه أخت المهلهل الشاعر، فلقنه المهلهل الشعر، فقال الشعر وهو غلام، يُعرف بالملك الضّليل؛ لاضطراب أمره طول حياته، وذي القروح؛ لما أصابه في مرض موته، وكتب الأدب مشحونة بأخباره، توفي نحو ١٣٠ - ٨٠ ق هـ. انظر: الشعر والشعراء لابن قتيبة (ص: ٣١)، خزانة الأدب للبغدادي (١/ ١٦٠)، الأعلام للزركلي (٢/ ١٢).
(٥) شطر من البيت الأول لمعلقة امرئ القيس المشهورة التي مطلعها:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل … بسقط اللوى بين الدخول فحومل
انظر: شرح المعلقات التسع (ص: ١٢٠)، شرح المعلقات السبع للزوزني (ص: ٣٥).

<<  <   >  >>