للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[١٧) البدء بنقض شبهة الخصم ومعتقده الفاسد، قبل تقرير الحق والمعتقد الصحيح]

من كمال التدرج المطلوب مع الخصم: أن يبدأ المناظر بنقض شبهة الخصم ومعتقده الفاسد، ثم يقرر له الحق والمعتقد الصحيح الذي يجب اعتقاده، وهذه الطريقة يطلق عليها بعض العلماء: (التخلية قبل التحلية)، أو (التصفية قبل التربية)، وكانت هذه من أهم المسالك التي يعتني شيخ الإسلام بسلوكها وتطبيقها، ويعلل ذلك فيقول: «إن المبتدع الذي بنى مذهبه على أصل فاسد، متى ذكرت له الحق الذي عندك ابتداء أخذ يعارضك فيه، لِما قام في نفسه من الشبهة، فينبغي إذا كان المناظر مدعياً أن الحق معه أن يبدأ بهدم ما عنده، فإذا انكسر وطلب الحق فأعطه إياه وإلا فما دام معتقداً نقيض الحق لم يدخل الحق إلى قلبه، كاللوح الذي كتب فيه كلام باطل، امحه أولاً، ثم اكتب فيه الحق» (١). وهذا من كمال فقه شيخ الإسلام وتمام علمه بمسالك المناظرات وطرقها المفضية إلى إقناع الخصم. ومن تطبيقات شيخ الإسلام لهذا الأمر ما تجده في مناظرته مع نفاة الرؤية حيث قام رحمه الله بتلخيص شبهة نفاة الرؤية في مقدمتين ونتيجة، ثم قام بنقض هذه الشبهة وبيان بطلانها، وبعد ذلك قام بتقرير الحق في ذلك بالنصوص الشرعية والآثار الصحيحة التي تدل على ثبوت الرؤية، فابتدأ بنقض الأصل الفاسد، ثم أتبعه بتقرير الحق (٢)، وذلك لأن «الدليل إن لم تقرر مقدماته ويجاب عما يعارضها لم يتم» (٣).

[١٨) التنزل مع الخصم أدعى لقبوله الحق]

كان شيخ الإسلام حريصاً أشد الحرص على بيان الحق للناس، وكشف ما


(١) مجموع الفتاوى (١٧/ ١٥٩).
(٢) انظر: بغية المرتاد (ص:٤٧٦).
(٣) شرح الأصبهانية (ص:٤٧).

<<  <   >  >>